مقال حول: من مظاهر الجريمة المنظمة غسل الأموال نموذجا

مقال حول: من مظاهر الجريمة المنظمة غسل الأموال نموذجا

من مظاهر الجريمة المنظمة غسل الأموال نموذجا

ذ.عبد المومن الصويت
محام متمرن بهيئة القنيطرة ( وزان )

تمہید:

أضحت الجريمة المنظمة من أخطر الجرائم على جميع المستويات سواء منها الجانب الاقتصادي او الاجتماعي او الثقافي أو من زاوية تفشي الجريمة وتفكك الأسر أو من حيث الجانب السياسي عبر ولوج صناديق الاقتراع، وقد صنفها العديد من علماء الإجرام في خانة الجرائم الي تخرب سمعة الدول واقتصادها القومي من غير أن تترك وراءها بصمات الجاني.

وخلافا للجريمة الإرهابية الي تتغيا أهدافا سياسية، أو اعتبارية من خلال استهدافها تغییر نظام الحكم أو اختياراته وتوجهاته أو مواجهة المجتمع ككل بتغيير سلوكه، وفرض غط عيش آخر بديل، فإن الجريمة المنظمة تستهدف - محليا أو دوليا - الوصول إلى تحقيق مكتسبات مالية ومراكمة الثروات دون اعتبار لأي قيم إنسانية، أو وطنية وتندرج عملية غسل أو تبييض الاموال ضمن هذا الصنف الأخير من الجرائم.

فماذا يقصد بعملية غسل الأموال ؟ والمراحل الي تمر منها الجريمة ؟ وإذا كانت بعض التشريعات المقارنة تعاقب على هذا النموذج من الإجرام فما موقف التشريع المغربي ؟

تقتضي الإجابة على هذا التساؤل دراسة هاته الظاهرة الإجرامية من خلال تناول تعريف عملية غسل الاموال ( أولا ) وكيف تغسل الأموال ( ثانيا ) وموقف القانون من جريمة غسل الأموال ( ثالثا ).

 أولا : تعريف عملية غسل الأموال.

غسل / تبييض الأموال عملية تستهدف إضفاء الشرعية على أموال تم الحصول عليها من مصدر غير مشروع أو بعبارة أدق كل عمل أو إجراء يهدف إلى إخفاء أو تحويل أو نقل أو تغيير طبيعة أو ملكية أو نوعية وهوية الاموال المحصلة من أنشطة أو أعمال إجرامية غير قانونية أو غير مشروعة وذلك قصد التغطية والتمويه والتستر على المصدر الأصلي غيرالقانوني لهذه الأموال حتى تظهر في نهاية المطاف على شكل أموال نظيفة ومن أصول سليمة ومشروعة والحال أنها غير ذلك.

والانشطة الإجرامية غير المشروعة التي يمكن أن تندرج ضمن عمليات غسل أو تبييض الاموال كثيرة ومعقدة وتتسع - على سبيل المثال لا الحصر - لتشمل :
+ التجارة الغير المشروعة لجميع أنواع الاسلحة النارية وكذلك الذخائر.
+ جرائم الرشوة والاختلاس والمخدرات والتعدي على المال العام.
+ جرائم الغش والاحتيال وخيانة الامانة وعمليات الغش التجاري.
+ التهرب الضريي.
+ الفساد الإداري والمالي والسياسي الذي يطلق عليه جرائم أصحاب الياقات البيضاء.
+ السرقة بمختلف أنواعها بما فيها سرقة الآثار وسرقة حقوق الطبع والتوزيع للمصنفات الأدبية أو العلمية والأقراص المدحة لبرامج الكمبيوتر والافلام السينمائية والسرقات الإلكترونية عبر شبكة الانترنيت أو باستخدام البطاقات المصرفية المزورة بمختلف أنواعها.... إلخ.

 ووجود الأموال ( القذرة ( المتحصلة من هذه الانشطة الإجرامية بالقرب من مصادرها الأصلية يعتبر شبهة في حد ذاته كما أن الاستفادة منها بصورة مباشرة أمر غير ممكن وذلك لاحتمال أو إمكانية التعرف على مصادرها الغير المشروعة، مما يدفع بأرباب هذه الجرائم إلى غسل الأموال المترتبة عنها وذلك بإبعادها عن مصادرها الاصلية وتنفيذ مجموعة من العمليات المصرفية وغير المصرفية بالغة التنوع والتعقيد يتم إجراؤها حول العالم خصوصا عبر الدول النامية حيث ضعف الرقابة أو انعدام القوانين ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال، مستفيدين في ذلك من كافة الإمكانات التقنية المتوفرة خاصة المصرفية والتي يمكن من خلالها نقل كميات ضخمة من الأموال حول العالم بسهولة ويسر خلال دقائق معدودة عبر أنظمة التحويلات البرقية والإلكترونية المختلفة بشكل لا يلفت النظر إلى الأصل الإجرامي لهذه النقود الي يتم استرجاعها في النهاية للإستفادة منها بصورة أموال مشروعة وضخها في الإستثمار ونحوه، حيث تشكل البنوك وشركات التأمين والملاهي الليلية والعقارات وتجارة المعادن، والتنمية، وإيواء الاسهم والسندات والآثار واللوحات الفنية أرضا خصبة ومفضلة لاستثمار هاته الاموال القذرة.

ثانيا : كيف تغسل الأموال.

قبل الحديث عن الكيفية التي يتم بموجبها تبييض الأموال نشير في عجالة الى حجم الظاهرة الإجرامية.

فقد أشارت مجموعة حملة العمل المالي الدولية Financial action task  (force FATF وهي منظمة عالمية متخصصة في مجال مكافحة غسل الأموال أن ما يتم غسله من الأموال المحصلة من مختلف أنواع الانشطة غير المشروعة - استنادا إلى تقديرات صندوق النقد الدولي - أنها بين %2 و 5% من إجمالي الدخل القومي العالمي أي ما يتراوح بصورة تقريبية بين 590 مليار و 1.5 ترليون سنة 1996.

أما هيئة الامم المتحدة فقد قدرت حجم الأموال المغسولة بحوالي 800 مليار أي 1.5 ترليون دولار أمريكي وهو مبلغ يعادل ضعف الإنتاج النفطي العالمي السنوي تقريبا، أما الأموال غير المشروعة المتحصلة من المخدرات فتصل حوالي 120 مليار دولار سنويا.

ونعود إلى صلب الموضوع لتحدد المراحل الي تمر منها عملية غسل الأموال ونقسمها من الناحية النظرية البحتة إلى ثلاث مراحل رئيسية :

1- مرحلة الإيداع Phase - Placement

في هذه المرحلة، يتم التخلص من الأموال غير الشرعية التي تكون في الغالب نقدية، عن طريق إيداعها بحذر في حسابات بنكية موجودة أو بشراء شيكات سياحية وأوراق مالية لتحويلها فيما بعد إلى بنوك في دول أخرى. قد يتم استخدام حسابات بنكية لشركات قائمة تتعامل بشكل رئيسي بالنقد لتغطية عملية الإيداع. يمكن أيضًا استغلال شركات الصرافة لتحويل النقد إلى عملات أجنبية متعددة ثم إيداعها في حسابات مصرفية. في نهاية هذه المرحلة، تتحول الأموال غير الشرعية من شكلها الملموس إلى الشكل الرقمي الإلكتروني على هيئة أرصدة حقيقية في حسابات مصرفية قائمة.

2- مرحلة التغطية : Phase layering

خلالها يتم إبعاد متعمد للأموال وتنقل إلكترونيا عبر العالم إلى الملاذات الأمنة أو الجنات الضريبية Paradis Fiscales وهي دول تطبق قوانين السرية المصرفية بصورة كبيرة عبر سلسلة كبيرة من التحويلات البرقية والإلكترونية حيث تستخدم القنوات المصرفية العالمية المتاحة إضافة إلى حسابات الشركات ( الوهمية ( الي لا تمارس أي نشاط اقتصادي حقيقي سوى تلقي التحويلات المالية ثم إعادة إرسالها بعد تقاضي عمولة محددة، وهذا الصنف من الشركات ينتشر في العديد من المناطق التجارية الحرة عبر العالم.

كما تعتبر الوحدات المصرفية الخارجية المسماة ببنوك الاوفيشور Bank ofushur وسائط مثالية – بالنظر إلى ضعف الرقابة الرسمية عليها الإنجاز العديد من هذه المعاملات للمصرفية.

3- مرحلة الدمج : Phase integration

يتراجع عنصر الخطر في هذه المرحلة حيث يتم استرجاع الاموال القذرة لتضخ من جديد في الاقتصاد المحلي والعالمي كاموال مشروعة وتستثمر في العديد من قطاعات الأعمال وتبرز القطاعات الآتية الوجهة المفضلة لغسل الأموال :

x المصارف - البنوك - وشركات الصرافة.
x شركات التأمين بمختلف أنواعها خاصة بوليصات التأمين على الحياة الي يتم اقتناؤها من طرف غاسلي الأموال كنوع من الاذخار والضمان القابل للتسييل فيما بعد.
x الكازينوهات والملاهي اللليلية ونوادي القمار ما توفره من غطاء للثروة المفاجئة ومن تداول النقد بصورة كبيرة دون حرج.
x أسواق الأسهم والسندات " الاسواق المالية " والي يلجأ إليها كأحد المنافذ المأمونة للتخلص من النقد المتجمع لدى العصابات، لتصبح الأموال المسيلة بعد ذلك نتاج عمليات بيع حقيقية للاسهم وسندات الشركات.
x بيع وشراء العقارات والاوعية الاسثمارية المختلفة كالفنادق والمرافق السياحية الفاخرة نظرا لقيمتها المرتفعة والتي لا يكون مصدرها محل أي سؤال، إذ يكتفى بقبولها ثمنا مشروعا للعقار تمهيدا لبيعه فيما بعد فيتوفر بذلك الفضاء المناسب لهذه الأموال فتوصف بأنها ناتجة عن عملية بيع عقار ونحوه.
x تجارة المعادن الثمينة كالذهب والماس والمواد الأخرى المرتفعة القيمة كاللوحات الفنية والآثار الناذرة.

وبواحدة من هاته العمليات يختفي أي أثر يمكن من معرفة الأصل الحقيقي الإجرامي للاموال القذرة مما يسمح لأصحابها الاستفادة منها وتوظيفها في عمليات قد يهتز لها نظام الحكم. والسؤال أين يتم غسل هذه الأموال ؟ إن الدول التي لا تطبق أنظمة فاعلة أو أنها تطبق أنظمة ضعيفة لمكافحة غسل الأموال تعتبر بشكل عام ملجأ طبيعيا لإتمام المراحل الرئيسية لهذه الجريمة.

اقرأ أيضا : 

- مقال بعنوان: المسؤولية الناشئة عن الحيوان والأشياء
- مقال حول موضوع:  التعويض عن الخطأ القضائي في التشريع المغربي
- مقال في غاية الأهمية حول: صياغة النص القانوني
- جريمة التفالس في القانون المغربي
- مقال حول: الكراء الطويل الأمد Emphytéose

رابط تحميل وقراءة العرض في الأسفل

ثالثا : موقف القانون من جريمة غسل الأموال.

لا يتدخل القانون عادة لتجريم فعل معين إلا إذا كان يشكل خطرا على المجتمع، وعملية غسل الأموال كصنف من الإجرام المنظم يكتسب خطورة بالغة على الفرد والمجتمع مما استدعى تدخل القوانين لمكافحتها أو على الأقل الحد منها، وقبل تحديد موقف القانون المقارن ونظيره المغربي نوضح في سطور الخطورة الكامنة وراء هذه الجريمة.

- فالتبييض يلحق الضرر بالاقتصاد الوطن، لأنه يساهم في وجود اقتصاد خفي غير ظاهر يهدد الاقتصاد الرسمي الذي يغدو يعاني من عدم الاستقرار بسبب سرعة انتقال الاموال. - وقد تستعمل الاموال الناتجة عنه في اقتراف إن لم نقل تمويل جرائم أخرى شديدة الخطورة كالإرهاب.

- يؤدي إلى التوزيع غير العادل للثروة حيث توزع ثروات بدون عمل أو جهد وليس لها مقابل في الاقتصاد الوطن، كما يهدد الشفافية الاقتصادية ويقضي على روح المنافسة المشروعة ويساهم في التهرب الضريبي لاعتماده على أنشطة غير مشروعة وغير مصرح بها. - من جهة ثانية قد يضر بالاستقرار الأمن والسياسي ففي العديد من الدول تم استعمال أموال مبيضة لتمويل انقلابات عسكرية أو تزوير الانتخابات والقيام بعمليات التجسس والعمليات الاستخباراتية وعادة ما يتم إنشاء مقاولات وشركات وهمية لمزاولة أعمال استخباراتية تخريبية غايتها أساسا الإضرار بالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ببلد معين.

- يضاف إلى ذلك أن مكافحة هذا النوع من الإجرام ماهو في الحقيقة إلا مكافحة للجريمة الاصلية وقطع ذيولها أو على الأقل الحد من انتشارها.

لهاته الاعتبارات وغيرها مضت أغلب التشريعات نحو تجريم عملية التبييض كما تدخل المجتمع الدولي لحث الدول على السير في هذا الاتجاه وتشجيع إبرام اتفاقيات ومعاهدات تنصب على تحريم ومحاربة هذه الظاهرة ومن الاتفاقيات في هذا الإطار :

- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤتمرات الفعلية المعروفة باتفاقية فيينا الصادرة في 20 يناير 1988
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الموقعة في باليرمو 12 ديسمبر 22000
- اتفاقية الأمم المتحدة التي تتعلق بالفساد المالي أي (الرشوة ) لعام 2003.

وهناك العديد من الاتفاقيات الأخرى الصادرة في هذا الباب.

للإطلاع علي المقال كاملا يمكنكم تحميله عبر الضغط علي  موضوع: من مظاهر الجريمة المنظمة غسل الأموال نموذجا 

صفحة bibliodroitarab المكتبة القانونية الرقمية

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال