مقال حول: الكراء الطويل الأمد Emphytéose

الكراء الطويل الأمد

Emphytéose

السلام ورحمة الله تعالى وبركاته تحية طيبة لطلبة و الطالبات ،



لم يعرف المشرع المغربي حق الكراء الطويل الأمد، على غرار ما فعل بالنسبة لحق الانتفاع. واكتفى فقط بالقول أنه حق يخول للمستأجر حقا عينيا قابلا للرهن الرسمي

و للتفويت و يمكن حجزه طبقا للشروط المقررة في الحجز العقاري. المادة 121 من مدونة الحقوق العينية.

وعلى خلاف ما ذهب إليه البعض في كون المشرع التونسي عرف الكراء الطويل الأمد، فإن هذا الأخير قد ألغى تماما حق الكراء الطويل الأمد، وهكذا جاء في الفصل 191 من مجلة الحقوق العينية و ملحقاتها بأنه "يحجر ابتداء من تاريخ إجراء العمل بهذه المجلة إنشاء الإجارة الطويلة و تحديد عقودها الجارية و كذلك إنشاء حق الهواء أو الإنزال أو الكردال"

و قد أفرد المشرع المغربي للكراء الطويل الأمد المواد من 121 إلى 129 من مدونة الحقوق العينية، و يمكن الجزم أن ما قام به لا يعدو أن يكون ترجمة حرفية للفصل 451 من مدونة الشؤون القروية و البحرية الفرنسية الذي جاء فيه :

« Le Bail emphytéotique des biens immobiliers confère au preneur un droit réel susceptible d’hypothèque ce droit peut être cédé et saisi dans les formes prescrites pour la saisie conservatoire…… »

و يمكن تعريف الكراء الطويل الأمد بأنه حق عيني يخول للمكتري حقا ذا طبيعة عينية يحق له تفويته و رهنه و قد عرفه فقهاء المالكية باسم الكراء المؤبد، و هو يندرج تحت ما يسمى عندهم بالجلسة و الجزاء و الزينة و المفتاح.

و المشرع المغربي احتفظ بنفس التعريف للفصل 87 من ظهير 1915 القديم مع تقليص مدة الكراء الطويل الأمد إلى أربعين سنة عوض 99 سنة و ذلك في اعتقادنا لسببين :

1- أولا أن مدة 99 سنة كانت بمثابة تفويت للعقار، حيث أن الأبناء لا يستردون أبدا العقار الذي سبق لموروثهم كراءه.

2- ثانيا : وهذا هو الأهم أن مشرع مدونة الحقوق العينية وفي إطار الانسجام مع القوانين الأخرى ساوي في المدة (40 سنة) بين مدونة الحقوق العينية و قانون الالتزامات والعقود الذي ينص في فصله 701 على انه : " يجوز إبرام كراء الأراضي الفلاحية لمدة أربعين سنة، فان ابرم لمدة أطول ساغ لكل من المتعاقدين فسخه بعد انتهاء الأربعين سنة.

ويبدأ كراء الأراضي الفلاحية في 13 من سبتمبر من التقويم الغريوغوري ما لم يحدد المتعاقدان تاريخا آخر".

وكثيرا ما كانت تحدث منازعات قبل صدور مدونة الحقوق العينية بين المكري

و المكترى حول الطبيعة القانونية للعقد. هل هو كراء طويل الأمد أم مجرد كراء عادي؟

و لعل هذا ما دفع بمشرع مدونة الحقوق العينية على ضرورة التنصيص في العقد على الطبيعة العينية للكراء الطويل الأمد، تجنبا لأي نزاع بين طرفي العقد، ومن فوائد الكراء الطويل الأمد، تشجيع الاستثمار حتى لا تبقى الأراضي شاغرة بدون مستثمر، فقد تعوز الإمكانيات المادية مالك الأرض على استغلالها، و قد لا تسعفه ظروف العمل للاهتمام بأرضه، فيعمد إلى كرائها كراء طويل الأمد لمن يغرسها أو يقيم عليها أبنية، حتى إذا انتهت مدة الكراء آلت الأرض إليه أو في الغالب لأبنائه بالإضافة إلى البنايات و الأغراس التي ادخلها عليها المكترى.

ويعتبر ثمن كراء الأراضي كراء طويل الأمد بخسا مقارنة مع الكراء العادي، و من شان ذلك أن يشجع المستثمر على الاستثمار في هذه الأراضي لسببين. أولهما انه سيعمل جاهدا لاسترجاع الأقساط السنوية التي يدفعها للمكتري، و ثانيهما انه سيحاول جني ما استطاع من أرباح من جراء هذا الاستثمار.

و الواقع أن الكراء الطويل الأمد يقع غالبا على الأراضي الفلاحية من اجل غرسها أو تشجيرها أو حتى القيام بحرثها. ولكن قد يرد كذلك على الأراضي في المدار الحضري، ولنا في مدينة أكادير خير مثال على ذلك، فعلى اثر الهزة الأرضية التي عرفتها هذه المدينة بفعل الزلزال سنة 1960، قامت الدولة المغربية في شخص مديرية الأملاك الخاصة بكراء الأراضي التي تمتلكها للخواص، و خاصة تلك المحاذية لشاطئ البحر من اجل إقامة مصطفات سياحية أو فنادق الى غير ذلك.....

و كذلك الشأن في مدينة طنجة أو الرباط، أبرمت الدولة (الملك الخاص) عقود كراء طويل الأمد في منطقة الأوداية لفائدة الخواص من اجل الاستثمار فيها.

· الفصل الأول : طرق إنشاء الكراء الطويل الأمد - Mode d’instituti

لا تقوم لعقد الكراء قائمة إلا إذا حرر وفق المادة 4 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه : " يجب أن تحرر -تحت طائلة البطلان- جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو بمحرر ثابت التاريخ يجب تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك ".

- يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي و التأشير على جميع صفحاته من الأطراف و من الجهة التي حررته.

تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة و يتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس بدائرتها".

مما يستتبع معه القول أن كل عقد كراء طويل الأمد لا يستجيب لما اشترطته المادة الرابعة السالفة الذكر يعتبر باطلا بقوة القانون. و حيث أن عقد الكراء الطويل الأمد من العقود التبادلية، فانه يتعين على المكري و المكتري معا أن يتمتعا بأهلية التصرف و غني عن البيان أن القاصر لا يجوز له إبرام عقد كراء طويل الأمد إلا من قبل وليه بعد الحصول على إذن قاضي المحاجر.

و على خلاف ما ذهب إليه البعض " أن المحجور إن كان أجنبيا فلا بد من إجراء مداولة مجلس العائلة أو أي سلطة تقوم مقامه وان تصادق المحكمة على ذلك".

و الواقع أن الأجنبي لا يحق له إبرام عقد الكراء الطويل الأمد بالنسبة للأكرية التي تتجاوز ثلاثة سنوات إلا بعد حصوله على رخصة إدارية، وفي هذا ينص الفصل الأول من الظهير الشريف رقم 1.63.289 الصادر في 7 جمادى الأول 1383، 26 غشت 1963 على انه : "إن العمليات العقارية بما فيها البيوعات عن طريق السمسرة و كذا إبرام جميع عقود الإيجار المتجاوزة مدنها ثلاث سنوات و المتعلقة بالأملاك الفلاحية المعدة للفلاحة الواقعة خارج الدوائر الحضرية يتوقف إجراؤها مع مراعاة مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.63.289 المشار إليه أعلاه على رخصة إدارية إذا كان الطرف أو الطرفان المعنيان بالأمر شخصا أو شخصين إذا تبين أنهما غير مغربين أو شخصين معنويين، غير انه إذا كانت العملية تتعلق بملك قررت المحكمة بيعه عن طريق المزاد العلني جاز تقديم طلب الرخصة في شكل طلب للمساهمة في السمسرة".

و قد كان الفصل 88 من ظهير 1915 يمنع على الزوج كراء العقارات كراء طويل الأمد، تلك التي كانت تدفع له كمهر، ولكن مدونة الحقوق العينية ألغت هذا الفصل لكونه يخص المرأة الأجنبية ليس إلا.

و يختلف الكراء الطويل الأمد عن الكراء العادي، إذ أن هذا الأخير يمكن إثباته بكافة الطرق بما في ذلك شهادة الشهود حالة تعذر وجود محرر كتابي، إذا كانت مدته تفوق سنة، و يعتبر - و الحالة هذه - أن الكراء قد أبرم لمدة غير معينة، (الفصل 629 من قانون الالتزامات و العقود). أما الأكرية العادية التي تفوق مدتها ثلاث سنوات فلا يواجه بها الغير ما دام أن العقد لم يقع تقييده بالصك العقاري عملا بالفصل 66 من قانون 14/07 الذي ينص على انه: " كل حق عيني متعلق بعقار محفظ يعتبر غير موجود بالنسبة للغير إلا بتقييده، وابتداء من يوم التقييد في الرسم العقاري من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال هذا التقييد في مواجهة الغير ذي النية الحسنة".

أما بخصوص الكراء الطويل الأمد، فالكتابة تعتبر شرط انعقاد و إثبات في نفس الوقت،

إذ يقع باطلا كل عقد كراء طويل الأمد لم يخضع لمقتضيات الفصل 4 من مدونة الحقوق العينية.

أما العقارات التي في طور التحفيظ، ولكي يضمن المستفيد من الكراء الطويل الأمد رتبته، فيتعين إيداعه طبقا للفصل 84 من قانون 14/07 الذي ينص على انه " إذا نشا على عقار في طور التحفيظ حق خاضع للإشهار أمكن لصاحبه، من اجل ترتيبه و التمسك به في مواجهة الغير، أن يودع بالمحافظة العقارية الوثائق اللازمة لذلك، و يقيد هذا الإيداع بسجل التعرضات. يقيد الحق المذكور عند التحفيظ بالرسم العقاري في الرتبة التي عينت له إذا سمحت إجراءات المسطرة بذلك".

ومن المعلوم أن تأسيس الرسم العقاري، يطهر العقار من كل حق لم يقع إيداعه طبقا للفصل 83 أو 84 من قانون 14/07، يعتبر كان لم يكن و لا يجوز الاحتجاج به في مواجهة الغير.

وقد يرد كذلك حق الكراء الطويل الأمد على عقارات غير محفظة إذ ينص الفصل 10 من قانون 14/07 على ما يلي : " لا يجوز تقديم مطلب التحفيظ إلا ممن يأتي ذكرهم :

1- المالك

2- الشريك في الملك مع الاحتفاظ بحق الشفعة لشركائه، وذلك عندما تتوفر فيهم الشروط اللازمة للأخذ بها.

3- المتمتع بأحد الحقوق العينية الآتية : حق الانتفاع، حق السطحية، الكراء الطويل الأمد، الزينة و التعلية والحبس.

4 المتمتع بارتفاقات عقارية بعد موافقة صاحب الملك.

والكل مع مراعاة المقتضيات المتعلقة بالتحفيظ الإجباري"

و يطرح السؤال كما هو الشأن بالنسبة لحق الانتفاع-كيف يمكن للمحافظ تأسيس رسم عقاري مستقل للكراء الطويل الأمد طبقا للفصل 14 من ظهير الإجراءات الانتقالية

و الحال أن ملكية الرقبة لم يقع تحفيظها و لم تخضع لأي إشهار (يراجع ما كتب عن حق الانتفاع في هذا الصدد).

و يتعين على المكتري الذي يرغب في إيداع مطلب تحفيظه. أن يتقدم بطلب لتحفيظ العقار مشفوعا بالوثائق المؤيدة له بما في ذلك أصل ملكية مالك الرقبة.

- و يحدث هذا دون موافقة مالك الرقبة، كما يشير إلى ذلك الفصل 10 المشار إليه-

و يتعين على المكري أن يودع مطلب تحفيظه مشفوعا بعقد الكراء الطويل الأمد. إذ يتعين على العدل الذي حرر العقد أن يشير في صلبه إلى أصل ملكية مالك الرقبة، مع الإشارة إلى أن الاختصاص في تحرير العقود الواردة على العقارات غير المحفظة ينعقد للعدول و ليس للموثقين.

وكثيرا ما كان يقع النزاع حول طبيعة العقد هل هو كراء طويل الأمد أم كراء عادي؟

و كانت المحاكم تعمل على تكييف العقد حسب ظروف كل قضية على حدة، مسترشدة في ذلك بمدة الكراء و بالأجرة. غير أن دخول مدونة الحقوق العينية حسمت النقاش في المادة 122 و ذلك بضرورة التنصيص على الطبيعة العينية لعقد الكراء الطويل الأمد.

وقد ينشأ حق الكراء الطويل الأمد عن طريق الإرث طبقا للقواعد المنصوص عليها في مدونة الأسرة . مع الإشارة إلى أن تلك القواعد لا تطبق على الأراضي المشمولة بالظهير الشريف رقم 1.72.277 بتاريخ 22 ذي القعدة 1392 (1.972.12.29) بمثابة قانون يتعلق بمنح بعض الفلاحين أراضي فلاحية أو قابلة للفلاحة من ملك الدولة الخاص. فإذا توفي المكري لهذه الأراضي، فلا تنتقل ملكية هذه الأرض إلى مجموع الورثة بل لأحدهم وفق شروط معينة شريطة أن يقوم بتعويض باقي الورثة. وفي هذا الإطار ينص الفصل 16 من نفس الظهير على ما يلي : " لا يمكن أن تسلم القطعة لفائدة أحد الورثة إلا إذا كان هذا الأخير يساهم بصفة مباشرة و فعلية في استغلال القطعة، و يتوفر بالإضافة إلى ذلك على شرط الجنسية و القدرة البدنية و السن والمروءة و الدخل حسبما هي محددة في الفصل الخامس ".

وإذا كان الظهير المشار إليه يتعلق بمنح الدولة الأراضي الفلاحية لصغار الفلاحين من اجل تشجيعهم على الاستثمار فانه من حق المالك للأرض أن يؤجرها، و في حالة وفاة المستأجر فإن حق الكراء الطويل الأمد لا ينتقل إلى الورثة بصفة تلقائية و طبقا للقواعد المنصوص عليها في مدونة الأسرة، بل لا بد لوارث المكتري أن تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في الفصل المذكور.

و ينتقل الحق لورثته فيما تبقى من المدة المضمنة في العقد، على خلاف الكراء العادي و المنظم في المادة 53 من القانون 12-67 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري و المكتري للسجلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.13.111 المؤرخ في 29 نونبر 2013 حيث أن مفعول العقد يستمر حتى في حالة وفاة المكتري بالنسبة للسجلات المعدة للسكنى لفائدة زوج المتوفى أو فروعه أو أصوله من الدرجة الأولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة أو المكفولين الذين تحث كفالته بصفة قانونية و يعيشون معه فعليا عند وفاته ( راجع المادة 53).

وقد ينشأ كذلك حق الكراء الطويل الأمد عن طريق الشفعة التي عرفها الفصل 292 من مدونة الحقوق العينية على انه " الشفعة اخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن و مصروفات العقد اللازمة و المصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء. فإذا فوت احد الشركاء في عقد الكراء الطويل الأمد نصيبه فيه، استحق باقي شركائه في ذلك الكراء بالشفعة، وفق الشروط التي تنص عليها المادة 292 من مدونة الحقوق العينية،

و هذه خاصية يفترق فيها الكراء الطويل الأمد عن الكراء العادي، و مرد ذلك الى الطبيعة العينية لحق الكراء الطويل الأمد. و إذا كان للمكتري الحق في تفويته و رهنه، فله أيضا أن يطلب من المحافظ تأسيس رسم عقاري مستقل وفق المادة 14 من ظهير الانتقالية التي تنص على انه

" بالإضافة إلى الرسم العقاري المؤسس في اسم مالك العقار، يمكن تأسيس رسوم عقارية خاصة بطلب من المستفيد من حق الارتفاق و حق الانتفاع و حق العمرى و حق الاستعمال و حق السطحية و حق الكراء الطويل الأمد و حق الحبس و حق الزينة و حق الهواء و التعلية، و كذا الحقوق العرفية المنشاة بوجه صحيح قبل دخول القانون رقم 39.08 المتعلقة بمدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ. يتم تضمين جميع البيانات المقيدة في الرسم العقاري الخاص الذي تم تأسيسه لإحدى الحقوق المذكورة في الفقرة السابقة. يخضع نظير الرسم العقاري المسلم لصاحب الحق المؤسس له رسم عقاري خاص للمقتضيات المطبقة على نظائر الرسوم العقارية للملكية ".
· الفصل الثاني: خصائص حق الكراء الطويل الأمد.

حق الكراء الطويل الأمد هو حق عيني، و هذا ما يميزه عن حق الكراء العادي شريطة التنصيص في العقد على طبيعته العينية كما مر معنا. وهذا المقتضى هو من المستجدات التي أتت بها مدونة الحقوق العينية، كم أن الكراء الطويل الأمد يختلف عن الكراء العادي من حيث المدة، إذ يجب أن تفوق 10 سنوات و ألا تتجاوز أربعين سنة.

و هذا لا يجب أن يفهم منه أن الكراء متى كانت مدته أربعين سنة هو بالضرورة كراء طويل الأمد بل يلزم التنصيص في العقد الذي يربط الطرفين على طبيعته العينية.

و يستتبع ذلك انه في حالة وقوع نزاع يتحدد اختصاص المحكمة بحسب طبيعته، فان كان الكراء عاديا كانت المحكمة الابتدائية هي المختصة طبقا للفصل 27 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على انه: "يكون الاختصاص المحلي لمحكمة الموطن الحقيقي

و المختار للمدعى عليه...".

و إن كان النزاع يتعلق بالكراء الطويل الأمد فالاختصاص ينعقد لمحكمة موطن العقار، إذ الأمر يتعلق بدعوى عينية عقارية عملا بالفصل 28 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه: " تقام الدعاوي خلافا لمقتضيات الفصل السالف أمام المحاكم التالية:

- في الدعاوي العقارية، إذا تعلق الأمر بدعوى الاستحقاق أو الحيازة أمام محكمة موقع العقار المتنازع عليه فيه...".

مع الإشارة إلى أن الاختصاص المكاني ليس من النظام العام، و بالتالي فإن المحكمة لا تنيره من تلقاء نفسها بل يتعين على صاحب المصلحة إثارته قبل كل دفع أو دفاع.

و بديهي أن المستفيد من حق الكراء الطويل الأمد، يجوز له إذا تعذر عليه تقييد عقده في الصك العقاري أن يبادر إلى تدوين تقييد احتياطي حتى يتسنى له الحفاظ على حقوقه، و الكل وفق الفصل 85 من قانون 14/07 الذي ينص على أنه: " يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا......".

ويبقى التقييد الاحتياطي مسجلا على الصك العقاري إلى ان يقوم صاحب المصلحة بالتشطيب عليه طبقا للإجراءات المنصوص عليها في قانون 14/07 ( تراجع الفصول 85 و 86 و 91 من قانون 14/07).

و يطرح السؤال حول إمكانية تمديد عقد الكراء الطويل الأمد من عدمه.

يذهب البعض إلى أن مدة الكراء الطويل الأمد يجب أن تفوق عشر سنوات و لا يمكن لها أن تزيد عن أربعين سنة. دون إمكانية تمديد هذه المدة. و كل اتفاق مخالف لهذا الأجل سواء كان اتفاقا صريحا او ضمنيا يعتبر كأن لم يكن و ينقضي بانقضائها.و نحن لا نتفق مع هذا الرأي لسببين :

-أولا : من خلال قراءة للفصل 121 من مدونة الحقوق العينية الذي ينص على أنه :

" ..... يجب أن يكون هذا الكراء لمدة تفوق عشر سنوات دون أن تتجاوز أربعين سنة و ينقضي بانقضائها". و من الفصل نلحظ أنه ليس هناك ما يفيد أن المادة منعت تجديد العقد.

-ثانيا : من المعلوم أن العقد شريعة المتعاقدين، فإذا اتفقا الأطراف في العقد على تجديد مدته صراحة بعد انتهاء مدة الكراء الطويل الأمد. فلا نرى مانعا قانونيا يحول دون ذلك.

و الأكثر من ذلك نعتقد انه حتى في حالة وفاة المكرى أو المكتري، فجميع الحقوق

و الالتزامات الناشئة في العقد تنتقل إلى الورثة، الشيء الذي يستتبع مع القول أنه يجوز للورثة باعتبارهم خلفا عاما أن يجبروا قضاء الطرف الآخر على الإيفاء بالتزاماته.

صحيح أن سكوت الطرفين عند انتهاء حق الكراء الطويل الأمد، و بقاء المكتري في العين المكتراة لا يعتبر تجديدا لحق الكراء الطويل الأمد، إذ لا يمكن تجديده ضمنيا، و هذا ما كان ينص عليه الفصل 87 من ظهير 2 يونيو 1915.

· الفصل الثالث: حقوق و التزامات أطراف عقد الكراء الطويلا الأمد.

من البديهي أن عقد الكراء الطويل الأمد من العقود التبادلية فهو ملزم للجانبين، و يرتب التزامات و حقوق متقابلة. وسنتطرق تباعا لكل من حقوق و التزامات المكترى ثم نعقب ذلك بحقوق و التزامات المكري.




1- حقوق و التزامات المكتري.



1.1- أن يستعمل العقار فيما أعد له وأن يحصل على ثماره الطبيعية و المدنية

و الصناعية. لم ينص مشرع مدونة الحقوق العينية على الحقوق التي تؤول للمكتري و لكن بالرجوع إلى القواعد العامة يمكن تلخيصها كالتالي:

أولا : أن يشيد فوقه من المنشآت ما يريد شريطة أن تزيد في قيمة العقار و تحسن من مردوديته، فإن كان العقار فلاحيا جاز له أن يقوم بحفر الآبار التي تمكنه من السقي، كما يحق له تشجيره و غرسه. وإن كان العقار حضريا أمكن له القيام بالبنايات سواء منها السياحية، التجارية أو السكنية.



و غني عن البيان أن من حق المكتري طلب رخصة البناء كالمالك لملكه شريطة الإدلاء بشهادة عقارية تثبت أنه مكتري طويل الأمد و بطاقة المعلومات صادرة عن الوكالة الحضرية تجيز له ذلك طبقا لقوانين التعمير.



و من حقوق المكترى ما نصت عليه المادة 129 من مدونة الحقوق العينية التي جاء فيها: "يستفيد المكترى مما يضم أو يدمج بالعقار نتيجة الالتصاق طيلة مدة الكراء الطويل الأمد.



و إذا كان المكترى يستفيد من الالتصاق و الإدماج، فإنه لا يمكن له أن يطلب من المحافظ العقاري إدماج عدة عقارات متجاورة أو متلاصقة لنفس العقار الذي يكتريه، إذ المالك وحده له الحق في القيام بذلك طبقا للفصل 16 من ظهير الإجراءات الانتقالية التي تنص على أنه : " يمكن للمحافظ بناءا على طلب من المعني بالأمر أن يقوم بإدماج عدة عقارات متجاورة أو متلاصقة موضوع رسوم عقارية مستقلة في ملكية نفس الشخص لتكون رسما عقاريا واحدا، كما يمكن كذلك أن تدمج فيما بينها الأجزاء المستخرجة في آن واحد من عقارات مختلفة ليؤسس لها رسم عقاري مستقل أو تدمج في رسم عقاري لملك محفظ من قبل في ملكية نفس التخصص، متى كانت هذه الأجزاء متجاورة أو متلاصقة".



2- يحق للمكتري تفويت حق الكراء كما يمكنه القانون من رهنه طبقا للمادة 121 من مدونة الحقوق العينية :



يحق للمكتري أن يتصرف في حقه، و ذلك بتفويته بعوض أو بغير عوض أو حتى بالإيصاء به، فله الحق أن يبيعه مع الإشارة أن من انتقل إليه الحق لا يملكه إلا في حدود المدة المتبقية و المنصوص عليها في عقد الكراء، وله القيام بذلك دون إخطار مالك الرقبة. و هذا ما يميزه عن الكراء العادي. فبحكم أن الكراء الطويل الأمد يخول للمكتري حقوقا عينية، فإنه بإمكانه أن يفوته في الحدود التي يملكها، كما يحق له هبة الكراء الطويل الأمد، مع الإشارة إلى أنه في حالة الشياع، إذا باع نصيبه جاز لباقي الشركاء أن يستشفعوا الحصة المبيعة، أما إذا وهبه فلا يحق للشركاء شفعة الحصة الموهوبة عملا بالمادة 303 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه : " لا شفعة فيما فوت تبرعا ما لم يكن التبرع صوريا أو تحايلا، كما لا شفعة في الحصة الشائعة التي تقدم في صداق أو خلع ".



و غني عن البيان، أن الكراء الطويل الأمد حينما يفوت لشخص آخر، فإنه ينتقل إليه في الحدود التي سطرها الطرفين في عقد الكراء، إذ لا يضار صاحب ملك الرقبة من العقد الثاني، الذي قد يكون المكترى الأصلي قد فوته لمكتري ثاني.



وكما ما مر معنا فإن انتقال عقد الكراء الطويل الأمد لشخص آخر لا يتم إلا إذا احترم الشكلية المنصوص عليها في المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية.



و يتعين على المكترى الثاني ان يبادر إلى تقييد عقد كرائه في الرسم العقاري الأصلي، أو في الرسم العقاري المستقل حتى يتسنى له الاحتجاج بعقد كرائه. و له أيضا أن يطلب رسم عقاري مستقل إن لم يكن المكتري الأول قد قام بذلك بناءا على مقتضيات الفصل 14 من ظهير الإجراءات الانتقالية -كما مر معنا-



و بما أن الكراء الطويل الأمد حق عيني، فإن المكتري يستفيد من جميع الحقوق التي يخولها له الحق العيني، فله أن يكريه بدون إخطار المكري الأول، و كل شرط من شأنه أن يمنع المكتري الأصلي من كراء حقه العيني يعتبر شرطا باطلا. و قد كان الفصل 95 من ظهير 2 يونيو 1915 يجيز للمكتري كراء العين المكتراة شريطة إخطار مالك الرقبة، ولكن لا يشترط ضرورة الحصول على موافقة مسبقة منه ( الفصل 95 ).



و في ظل القانون القديم. كان المشرع يخول للمكري ترتيب حق انتفاع عليه، لكن بدخول مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ تقلصت الحقوق التي كان يتمتع بها المكتري

و أضحت فقط إمكانية تفويته أو رهنه رسميا.



· رهن الكراء الطويل الأمد.

تنص المادة 121 من مدونة الحقوق العينية على أنه يحق للمكترى رهن الكراء الطويل الأمد رهنا رسميا، على خلاف الفصل 87 القديم الذي كان يجيز للمكتري رهنه رهنا رسميا و حيازيا.و معلوم أن الرهن الرسمي يختلف عن الرهن الحيازي، فالأول عرفه المشرع في المادة 165 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه " الرهن الرسمي حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ و يخصص لضمان دين . و هو إما رهنا اتفاقيا يتم بإرادة الطرفين أو إجباريا.

( تراجع المواد 170، 171 و 172 من مدونة الحقوق العينية).



في حين أن الرهن الحيازي عرفته المادة 145 بأنه : " الرهن الحيازي حق عيني يتقرر على ملك يعطيه المدين أو كفيله العيني إلى الدائن المرتهن لضمان الوفاء بدين

و يخول الدائن المرتهن حق حيازة المرهون و حق حبسه إلى أن يستوفي دينه. تسري على الرهن الحيازي أحكام الرهن الرسمي إذا تعلق بملك محفظ". و أهم خاصية يتميز بها الرهن الرسمي عن الرهن الحيازي هي حيازة الراهن الشيء المرهون و حق حبسه إلى أن يستوفي دينه.

و نعتقد أن المشرع المغربي قد أحسن صنعا بتقليصه للحقوق التي كان يتمتع بها صاحب حق الكراء الطويل الأمد و ذلك بقصرها فقط على الرهن الحيازي للسبب التالي :

إذا كان المنطق القانوني يقتضى رهن الكراء الطويل الأمد لفائدة بنك مثلا للحصول على المال الذي سيمكن المكترى من الاستثمار في العقار، فإنه من غير المنطقي أن نمكن المكترى من رهن حقه رهنا حيازيا لأنه والحالة هذه سيخرج العقار من ذمته و يصبح في نظرنا كوسيط لا غير. يبرم عقد الكراء مع شخص و يرهنه رهنا حيازيا لآخر و هنا سيبتعد الكراء الطويل الأمد عن الفلسفة الذي أرادها له المشرع و هي استثمار الأرض عن طريق الكراء الطويل الأمد.

ومن البديهي أن رهن الكراء الطويل الأمد يرد على عقار محفظ أو في طور التحفيظ. ففي الحالة الأولى يتعين تقييده بمندرجات الصك العقاري عملا بالمادة 66 من قانون 14/07. أما في الحالة الثانية فيلزم على المكتري إن أراد الحفاظ على حقه إيداعه طبقا لمقتضيات المادة 84 من نفس القانون أو سلوك مسطرة الخلاصة الإصلاحية

( المادة 83).



· التزامات المكتري لعقد الكراء الطويل الأمد.

كما أن للمكتري حقوقا فعليه أيضا التزامات، يتعين القيام بها.

و يمكن إجمالا سرد الالتزامات التي تقع على المكترى كالتالي:

1- أداء السومة الكرائية.

أهم الالتزامات التي تقع على المكترى أداء السومة الكرائية في الوقت المتفق عليه في العقد. ولا يحق للمكترى أن يتخلف عن أداء الكراء لأي سبب كان كالجفاف أو الحريق...... كما لا يمكن له تخفيض الأجرة الكرائية نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة.

Cas fortuit ou cas de force majeure

و في ذلك تنص المادة 123من مدونة الحقوق العينية على ما يلي:

" لا يمكن للمكترى أن يطلب التخفيض من واجبات الكراء بحجة تلف الملك جزئيا أو حرمانه من غلته كلا أو بعضا نتيجة حادث فجائي أو قوة قاهرة".

يستفاد من المادة المذكورة أن المكترى لا يحق له طلب تجزئة العين المكتراة لتخفيض الأجرة الكرائية لكون جزء من العقار أصبح غير صالح للاستغلال، ولا يحق له التخلي عن العقار و التملص من أداء الوجيبة الكرائية لأي سبب كان، و في ذلك تقضي المادة 125 ن الحقوق العينية ما يلي : " لا يمكن للمكترى أن يتحرر من واجبات الكراء ولا أن يتملص من تنفيذ شروط عقد الكراء الطويل الأمد بتخليه عن الملك ".

و إذا تخلف المكتري عن أداء الوجيبة الكرائية لمدة سنتين متتاليتين أو حالة إخلاله بمقتضيات العقد أو حالة إلحاقه أضرارا جسيمة بالملك، ففي هذه الحالات يجوز للمكري أن يوجه للمكتري إنذارا إما بأداء ما تخلذ بذمته من وجيبة كرائية أو بالقيام بالإصلاحات الضرورية لإصلاح ما ألحق العقار من أضرار.

و في حالة عدم استجابة المكتري للإنذار، أمكن للمكري مقاضاته أمام محكمة موطن العقار. و ذلك بطلب فسخ عقد الكراء و الحكم على المكتري بالإفراغ لعدم الأداء أو لإخلاله ببنود العقد.

و المحكمة و في إطار سلطتها التقديرية، يمكن أن تمنح أجلا للمكتري للوفاء بالتزاماته طبقا لنظرية الميسرة، كما جاء في الفصل 243 من قانون الالتزامات و العقود الذي جاء فيه. " ....و مع ذلك يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين و مع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه أجلا معتدلة للوفاء، و أن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها ".

و قد اشترط الفصل 125 من مدونة الحقوق العينية أن يتخلف المكتري عن أداء الوجيبة الكرائية لمدة سنتين متتاليتين، على خلاف الكراء العادي الذي لا يستفيد المكتري من هذه المكنة.

ولعل السبب في ذلك يرجع إلى كون العقارات المكتراة كراء طويل الأمد غالبا ما ترد على أملاك فلاحية خلال مواسم تكون معرضة للجفاف بسبب عدم سقوط الأمطار خلال السنة. لذا ارتأى المشرع منح المكتري سنتين، لعله يستطيع تدبير أموره و تدارك ما فاته من ربح خلال السنة الفارطة. هذا فيما يخص عدم أداء الوجيبة الكرائية، أما إذا ألحق المكتري أضرارا جسيمة بالملك، جاز للمحكمة أن تنذره بإصلاح ما أفسده تحت طائلة الحكم عليه بالإفراغ و التعويض معا. و للمحكمة أن تعين خبيرا للوقوف على مدى الأضرار التي لحقت بالعقار في إطار حكم تمهيدي تقضي به.

إذا كان المنتفع ملزما بأداء التكاليف الدورية كالضرائب و غيرها و بتحمل النفقات اللازمة لحفظه و صيانته ( الفصل 95 من مدونة الحقوق العينية) فإن نفس المقتضى القانوني نص عليه المشرع في الفصل 127 من مدونة الحقوق العينية الذي نص في فقرته الأولى على " أن المكتري ملزم بجميع التكاليف و التحملات التي على العقار...".

و من بين التحملات التي يتحملها المكتري صيانة العقار و القيام بالإصلاحات للأبنية الضرورية أيا كان نوعها و خصوصا تلك التي كانت موجودة عند إبرام عقد الكراء، و أنه ملزم بإعادة بناء ما تم إهماله أو باستعماله له. أما إذا أتبث أن سبب انهيارها راجع لحادث فجائي أو لقوة قاهرة، أو أنها هلكت نتيجة عيب بالبناء بتاريخ سابق عن ذلك المدون في عقد الكراء الأمد فلا يلزم بإصلاحها (المادة 127). و هناك التزام آخر يقع على عاتق المكتري هو أن يرد العقار عند انتهاء مدة الكراء بكل ما اشتمل عليه من بناءات. و إذا أحدث المكتري تحسينات أو بناءات أدت إلى الزيادة في قيمة العقار فلا يحق مطالبة المكري بأي تعويض عنها و لو أدت هذه الزيادة و التحسينات إلى زيادة قيمة العقار. و تفسير ذلك أن المكتري حينما أبرم عقد الكراء الطويل الأمد فإنه ارتضى القيام بذلك مقابل وجيبة كرائية متمثلة في ثمن غالبا ما يكون زهيدا بالمقارنة مع أجرة الكراء العادي. أضف إلى ذلك أن المكري حينما سيستلم العين المكراة بعد التحسينات التى طرأت عليه، سيكون بمقدوره أو ورثته الاستمرار في استثمار المشروع.

· حقوق المكري و التزاماته.

بقراءة المواد التسع التي أفردها المشرع للكراء الطويل الأمد، يلاحظ أن المشرع اكتفى بالتنصيص على حقوق و التزامات المكري دون تلك الملقاة على عاتق المكتري لذا يكون من الضروري التذكير ببعض القواعد العامة التي تسري على المكري.

و يبقى التزام المكري بتسليم الشيء من أهم الالتزامات التي تقع عليه إذ يتعين تسليم العين المكتراة خالية من أي نزاع مادي أو قانوني.

و التسليم المادي يتم حينما يقوم المكري بتسليم الشيء فعليا للمكتري خالية من كل نزاع. أما التسليم القانوني فلا يحدث إلا من خلال تمكين المكتري من تسجيل عقد كرائه بالصك العقاري حتى يمكن الاحتجاج به في مواجهة الغير عملا بمقتضيات الفصل 66 من قانون 07/14.

و بديهي أن المكتري يمكن له مقاضاة المكري من أجل تقييد عقد كرائه بالصك العقاري، و ذلك بإقامة دعوى إتمام إجراءات الكراء الطويل الأمد كما هو الحال إذا امتنع عن تسليمه نظير الصك العقاري، إذ بإمكانه أن يبادر إلى طلب تقييد احتياطي للحفاظ على رتبته على ما يستفاد من الفصل 85 من قانون 07/14.

و الملاحظ أن المشرع لم يلزم الطرفان بتحرير محضر معاينة كما هو الشأن بالنسبة لحق الانتفاع ولكننا نعتقد انه من الأفضل تحرير محضر معاينة يضمناه المتعاقدين حالة العقار من خلال وصفه بكيفية دقيقة مع التنصيص على مشتملاته كما هو الشأن بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى و الاستعمال المهني و في هذا الصدد تنص المادة 8 منه : "على أنه يجب أن ينجز البيان الوصفي لحالة المحل المعد للكراء وقت تسليم المحل و وقف استرجاعه في محرر تابث التاريخ و أن يتضمن وصف المحل بكيفية مفصلة و دقيقة ".

( منشور بالجريدة الرسمية عدد 6208 الصادر بتاريخ 30 نونبر 2013).

و لعل ذلك من شأنه التقليل من الدعاوي أمام المحاكم إذ في حالة عدم تحريره، من المحتمل أن تثار منازعات بين المتعاقدين بخصوص حالة العقار المكترى أو ملحقاته.

و يلتزم المكتري بالضمان و ذلك في إطار القواعد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات و العقود، فهو ملزم بضمان العين المكتراة حيث يلزمه القانون بتمكين المكترى من الشيء و ذلك بحيازته بدون أي تعرض قد يصدر من الغير.

و التعرض قد يكون ماديا مثلا يرمي إلى حرمان المكترى من وضع يده على الشيء،

و قد يكون قانونيا. و يتحقق ذلك في الحالة التي ينشأ المكترى حقوقا عينية أخرى تحد من انتفاع المكترى بالشيء كأن يقرر عليها حق المرور لفائدة الغير من شأن ذلك التضييق و الحد من استغلال المكترى للعقار.

و غني عن البيان أن المكتري يمتعه القانون بجميع امتيازات الحق العيني، فله أن يرفع دعوى باسمه الشخصي ضد أي شخص في حالة تعرضه لاعتداء مادي، و له أن يقيم هذه الدعوى كما لو كان مالكا للعقار و لكن في حدود الحق الذي يملكه، كما يحق له إدخال المكري في الدعوى عند الحاجة.

· الفصل الرابع: انقضاء حق الكراء الطويل الأمد.

ينقضي حق الكراء الطويل الأمد إما بانتهاء مدته أو صدور حكم بفسخه، و هاتين الحالتين تنص عليهما كل من المادة 121 و 124 من مدونة الحقوق العينية كما أنه قد ينقضي بإرادة الطرفين و اتحاد الذمة. و سنعرض على التوالي لهذه الأسباب.

1- انقضاء الكراء الطويل الأمد بانتهاء مدته.

مر معنا أن الكراء الطويل الأمد ينعقد لمدة تفوق عشر سنوات و ينتهي بانصرام أربعين سنة. و من هذا المنطلق فإن الطرفين ( المكري و المكترى) لهما أن يضمنا في عقد الكراء ما يشاءان فلهما أن يتفقا على المدة المحددة للكراء.

و يثار التساؤل إذا سكتا عن المدة و لم ينصا عليها في العقد فهل يعتبر كراء طويل الأمد أو كراء عادي؟

بالرجوع إلى مقتضيات المادة 122 نجدها تنص بصريح العبارة إلى أنه يجب التنصيص على الطبيعة العينية لعقد الكراء الطويل الأمد ونعتقد انه حتى إذا لم يحدد الأطراف مدة معينة فيتعين الرجوع إلى القاعدة العامة و هي أن تفوق مدة الكراء 10 سنوات و أن لا يتجاوز الأربعين سنة و يتعين على المكتري إفراغ المحل بعد انتهاء المدة المتفق عليها بدون سابق إنذار و إلا اعتبر في حكم المحتل بدون سند.

ومن المعلوم أن الكراء في العقارات الفلاحية حسب ما هو وارد في قانون الالتزامات والعقود قد تصل مدته إلى أربعين سنة بالرغم من كون الحق لا يعدو ان يكون حقا شخصيا، فإن المشرع يلزم المكري بإشعار الطرف المكترى بإخلاء المحل كما ينص على ذلك الفصل 714 من قانون الالتزامات و العقود الذي جاء فيه :

"... و يجب إعطاء التنبيه بالإخلاء، قبل فوات السنة الجارية بستة أشهر على الأقل..."

و عن البيان أن عقد الكراء ينتهي بانتهاء المدة المحددة له حتى و لو أبدى الطرفان أو أحدهما رغبتهما البقاء في المحل لا يعتبر تجديدا للعقد ما دام لم يقع اتفاق صريح بينهما على تجديد العقد لفترة أخرى وفي ذلك كما مر معنا كان الفصل 87 من ظهير 1915 يمنع التجديد الضمني للكراء الطويل الأمد.

2- صدور حكم بفسخ عقد الكراء.

ينص الفصل 124 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي : " إذا تخلف المكتري عن الأداء لمدة سنتين جاز للمكري بعد توجيه إنذار بدون جدوى أن يحصل قضائيا على فسخ الكراء الطويل الأمد كما يمكنه أن يطالب بالفسخ في حالة عدم تنفيذ شروط العقد او إلحاق المكترى أضرارا جسيمة بالملك ".

يستفاد من هذا الفصل أن المكتري إذا لم يؤد الوجيبة الكرائية لمدة سنتين متتاليتين أو لم يقم بتنفيذ الشروط المحددة في العقد أو ألحق أضرار جسيمة فيحق للمكرى طرق باب القضاء لاستصدار حكم يقضي بفسخ عقد الكراء.

و هكذا إذن في هذه الحالة ألزم المشرع المكري بضرورة توجيه إنذار للمكتري و احترام الأجل المضروب له بأداء ما تخلف في ذمته من واجبات الكراء. و إذا لم يستجب أمكن للمكري الالتجاء إلى القضاء و توجيه الإنذار يعتبر شرطا من شروط إقامة الدعوى و إذا لم يوجه له ستقضى المحكمة بعدم قبول الطلب و ذلك تماشيا مع القاعدة

" الكراء مطلوب لا محمول". Le loyer est quérable non portable

· فسخ العقد لكون المكتري الحق أضرارا جسيمة بالعقار.




من الصعب إعطاء تعريف دقيق للأضرار الجسيمة التي قد تلحق بالعقار جراء فعل المكتري و المحكمة عندما يعرض عليها النزاع، و في إطار سلطتها التقديرية لها أن تعين خبيرا للوقوف على : 1) وصف هذه الأضرار و تحديد ماهيتها. 2) تقويم هذه الأضرار. و الخبير في إطار المهام المسندة إليه من قبل المحكمة عليه أن ينجز خبرة شاملة حول العقار، في الحالة التي أبرما فيها الطرفان عقد الكراء و الحالة التي يوجد عليها العقار وقت رفع الدعوى أمام المحكمة. و هنا نطرح أهمية محضر المعاينة قبل الشروع في استغلال العقار عن طريق الكراء.

· فسخ العقد لعدم تنفيذ شروط العقد.

إن عقد الكراء الطويل الأمد هو من العقود التبادلية، فكل طرف مدعو لاحترام بنود العقد، فإذا أخل أحدهما بما هو مسطر من اتفاق في عقد الكراء الطويل الأمد، جاز للطرف الآخر مقاضاته أما بفسخ العقد أو بإجباره على تنفيذ شروط العقد. وفي هذا الإطار قد يضمن الطرفان شروطا في العقد كالاستثمار فيه بغلاف مالي معين، أو إنشاء مشاريع معينة. فإذا لم يف المكتري بالتزاماته في هذا الصدد أمكن للمكتري إقامة دعوى تروم إلى فسخ العقد.

· فسخ العقد بإرادة الطرفين.

عقد الكراء الطويل الأمد هو عقد تبادلي كما مر معنا، فالإرادة التي أنشأته قد تفسخه في أية لحظة لذلك ليس هناك ما يمنع الطرفين من فسخه قبل انصرام المدة المتفق عليها.

و بديهي أن الفسخ يجب أن يتم بإرادة الطرفين، فلا يفسخ بتخلي المكتري عن العقار بل لا بد من اتفاق الطرفين على ذلك و من الناحية الشكلية تعين التقيد بمقتضيات الفصل 4 من مدونة الحقوق العينية، إذ أن المادة جاءت شاملة فهي تقرر أنه يجب تحث طائلة البطلان أن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو إنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، و الحالة هذه أن الطرفان قررا إسقاط الحق العيني و ذلك بفسخه.

· اتحاد الذمة.

قد يجتمع حق الكراء الطويل الأمد مع حق الملكية في يد شخص واحد، و قد يحدث هذا إما عن طريق انتقال أحد الحقوق سواء بالإرث او جراء تصرف قانوني.

ففي الحالة الأولى قد يرث صاحب الكراء الطويل الأمد مالك الرقبة أو العكس، فتتحد الملكية التامة في شخص واحد. و الحالة الثانية قد يشتري المكتري كراء طويل الأمد حق الرقبة، فتؤول إليه الملكية التامة للعقار.

و غني عن البيان أن موت المكتري لا ينهي عقد الكراء الطويل كما هو الشأن بالنسبة لحق الانتفاع، و إنما ينتقل لورثته في حدود المدة الباقية المنصوص عليها في العقد.

بقيت الإشارة إلى أن الكراء الطويل الأمد ينتهي كذلك في حالة قيام الدولة أو من الجهة المرخصة لها بذلك بنزع ملكية العقار.

و يثار التساؤل حول الأساس المعتمد لتعويض المكتري.

الواضح أن المشرع سكت عن الموضوع و هو على خلاف ما هو الأمر بالنسبة لحق الانتفاع، إذ نجد المادة 131 من مدونة الضرائب قد حددت الأساس الذي يتم اعتماده لاحتساب حق الانتفاع و أمام سكوت المشرع و المحكمة و ما لها من سلطة تقديرية لها أن تعين خبيرا لتقويم الضرر الذي لحق المكتري. و الضرر يقدر من يوم صدور قرار التخلي بنزع الملكية و ليس من يوم الاعتداء المادي على العقار. فقد تستولي الدولة على عقار الغير ثم بعد سنوات تعمد إلى " شرعنة " وجودها في العقار فتقوم بنزع ملكيتة.

و في هذا الإطار صدر قرار محكمة النقض جاء فيه : " أن التعويض يجب أن يحدد ابتداء من تاريخ رفع المقال و ليس من تاريخ إجراء الخبرة ". قرار صادر من محكمة النقض عدد 1088/3 المؤرخ في 28/09/2017 ملف إداري عدد 3076/4/3/2015.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال