أدلة الإثبات بالوسائل الحديثة في المادة الجنائية
مقدمة:
يعتبر ذكاء المجرم أوسع ذكاء من ذكاء المشرع، على اعتبار أن المشرع يقوم بوضع إطار تشريعي يستوعب به ما اغفل هاو تركه من بياضات أو ثغرات تشريعية، محاولا احتواء المجرمين من أفراد المجتمعات الذين هم دوما في تفكير متواصل لارتكاب الجرائم محاولين بدورهم اقترافها خلسة، و بمواراة عن أعين الأجهزة الساهرة على ضمان الأمن و متابعة المتورطين المخالفين للقانون.و من تم، تأتي أهمية البحث الجنائي أو البحث التمهيدي، الذي من شأنه أن يضبط القضية - كما لو كانت جريمة ما- و يبحث عن ملابساتها الممكنة بجميع أساليب البحث الجنائي من مرحلة ما قبل وقوع اقتراف الجريمة و ما يسمى أيضا بمسرح الجريمة و أثناءها و بعدها.
لكن أحيانا، قد لا تنفع مع بعض الجرائم و أصحابها اعتماد وسائل تقليدية للحصول على أدلة الإثبات الجنائي، كاليمين و القرائن و الكتابة أو الخطوط أو الشهود... بقدر ما يتطلب الأمر مواكبة التطور الملحوظ في سمات الإجرام المعاصر و عبقرية المجرمين التواصلية عبر ابتكار وسائل إثبات جنائية تساير التطور الحديث.
و هكذا تأتي أهمية هذا الموضوع بما له من دور غاية في الجدية و المتانة، في إبراز ملامح الإثبات الجنائي العام، و ذلك بالتوقف على الدليل الجنائي بالوسائل العلمية و التقنية. فهذه الوسائل لم تعرفها البشرية إلا في الآونة الأخيرة، بعد الانفتاح على هامش مهم من الابتكار في المادة الجنائية وتحديدا في الجانب الأمني.
فكان اجتهاد الساهرين على المهمة الأمنية - بحق - ملفت النظر، و تم للقانون أن تجاوز الإثبات المقيد، الذي لا يسمح للقضاء لتكوين قناعته، لاسيما و أن الاعتراف حينذاك كان هو سيد الأدلة، مما قد يجعل بعض المعذبين أو المنهوكين نفسيا أن يقدموا اعترافاتهم القضائية أم غير القضائية أمام الجهات المعنية و هم غير منسوب اليمن ذلك في الحقيقة، بل فقط لم يقدموا ذلك الاعتراف إلا أنهم أرادوا أن يخرجوا سالمين أو يفروا بجلودهم من تحت صخرة التعذيب و أنواع التنكيل بهم، التي لطالما كانوا يرزحون تحت اكتواءاتها و نيرانها الملتهبة.
لهذا، فانه و لدواعي الخروج من هذا الوضع المأساوي الخانق، كان ولابد من ضرورة التفكير في صيغة جديدة تواكب في العمق فلسفة العدالة قبل وأثناء وبعد المحاكمة الجنائية، بحيث أمسى موضوع الإثبات الجنائي من المواضيع التي أضحت تطفو فوق سطح النقاشات في إطار المخاض العسير، التي عرفته عمليات الولادة لمخطط الإصلاح القضائي وإصلاح منظومة العدالة، سعيا نحو الأمن القانوني و القضائي.
فالباحث الجنائي اليوم، أضحى ملزما بالتسلح بتقافة حقوقية إزاء ما يعرض عليه من مختلف الأدلة و الشواهد و البيانات و المعلومات و الحقائق و الوقائع و الاستدلالات، في التعامل معها بكل روبة و ثبات إزاء كل ما يرتبط بالجريمة، أخدا بكل ما يملبه المنهج العلمي عليه من فحص الدم و فصيلته و أخذ العينات و دراسة الخلايا و معالجة البصمات و دراستها، إلى جانب الاحتفاظ بسجل المجرمين الخطيرين وما رافقها من معلومات وافرة بشأنهم، مع ما فرضته حياة العلم المتطور و التكنولوجيا المتطورة باستخدام حقوله المساعدة في التوصل إلى الدليل الجنائي العلمي و التكنولوجي الإلكتروني لتحقيق اقتناع صميمي وجداني للقاضي بشأن تلك الأدلة اقتناعا حرا عبر ملامسة حقيقة أدلة الإثبات الجنائية الموصلة إلى الحقيقة القانونية و القضائية عبر سلطته التقديرية القضائية في تقدير تلك الأدلة، لا سيما و أن عصر الاعتراف قد ولي، و أن محاضر ضابط الشرطة القضائية قد تتجز تحت التعذيب أو التخويف أو التهديد، وأن الإثبات الجنائي الحر قد دشئت معالمه في قانوننا الجنائي، لكن يجدر بنا أن نشير هنا إلى أمر يعد أدهى و أمر، بات يعترض قضاءنا الجنائي المغربي، إنهما الجرائم الإلكترونية، سواء كانت موجهة ضد شبكة الانترنيت أو عبرها، حيث لا يدرج القاضي كيف يتعامل مع تلك الوقائع الإجرامية على البيئة المعلوماتية، فتـراوده أسئلة مجيرة، مثل؛ هل من نص سعى في تطبيق الدليل الإلكتروني و جعله عمادا أساسيا في استصدار حكم جنائي، و هل من كفاءة تكوينية تؤهله لتكوين اقتناعه الوجداني القضائي بشأن السلوك الإجرامي الإلكتروني أو المعلوماتي...
و هل يأخذ القاضي بأي دليل من الأدلة بناء على دليل باطل أو إجرامي محصل منه ذلك الدليل الذي تم عرضه بين يديه؟
هي تلك الأسئلة الحرجة صراحة، التي أثيرت بين القضاء و علاجها مجموعة من الفقهاء القانونيين، وحاول المشروع إدراك بعضها في حين اغفل بعضها الآخر.
نعم، هي أسئلة أبرزناها هنا و عملنا ضمن هذا البحث على أساس أن نبسط الشرح بشأنها على سائر مراحل البحث قيد الدراسة، معلمين ذلك ببعض القرارات القضائية، إلا انه جرى بنا إلا تتناول هذا البحث بالدراسة و المعالجة و المناقشة إلا بعد أن نضع له إشكال مركزيا قانونيا نجعل منه منطقاً لنا في هذه الدراسة، محاولين تقديم تساؤلات فرعية عليه، في كل نقطة اقتضت ذلك، أملين أن نردفها بإجابات تقريبية.
الإشكال القانوني المركزي للدراسة:
مدى امتلاك المشروع الجنائي المغربي لنظام قانوني لإثبات الجنائي ليكون كفيلاً بضمان استصدار القضاء لحكم جيد ونزيه تتوفر فيه كل مواصفات العدالة الجنائية ومواكب للتطورات التي أضحت تطبع الأنشطة الإجرامية متجاورة بذلك التقليدية إلى المستجدات الحالية.وهل النظام القانوني للإثبات الجنائي ساعد القضاء على جعل الدليل العلمي كتحليلات الدم والبصمة الوراثية (بصمة المخ) من جملة الأدلة، التي يعتد بها في النظر والبث في القضايا التي تتبق منها.
منهج البحث:
اعتمدنا في هذا البحث منهجا تحليلها نقديا، تضرأ لما يعرفه تشريعنا المغربي من أدلة إثبات جنائية من تعدد وسائله ورغبتنا الأكيدة في سد ثغرانها التي تطبعها سواء قانونياً أم عمليا.منهج البحث:
اعتمدنا في هذا البحث منهجا تحليلها نقديا، نضرا لما يعرفه تشريعنا المغربي من أدلة إثبات جنائية من تعدد وسائله ورغبتنا الأكيدة في سد ثغراتها التي تطبعها سواء قانونيا أم عمليا.خطة البحث:
وتأتي خطة البحث عبر اعتماد تقسيم ثنائي مكون من فصلين هما كالآتي:✓ الفصل الأول: الإثبات وتحديات التقدم العلمي والتكنولوجي.
✓ الفصل الثاني: مكانة البصمة الوراثية و التوقيع الإلكتروني في الإثبات.
✓ الخاتمة.
لقراءة المقال بالكامل، يمكنكم تنزيله بالنقر على الرابط: أدلة الإثبات بالوسائل الحديثة في المادة الجنائية.