بسم
الله الرحمن الرحيم
السلام ورحمة الله تعالى وبركاته تحية طيبة لزملائي الطلبة و الطالبات شعبة القانون مسلك القانون الخاص
التعويض عن الخطأ القضائي في التشريع المغربي
مقدمة:
يقوم القضاء بأداء رسالة سامية تتمثل في الفصل في المنازعات بين الناس ومن هذا المنطلق تكرست المكانة المتميزة للقضاء، باعتباره حامي الحقوق والحريات، وتم الارتقاء به ليصبح سلطة مستقلة، كما أحاط المشرع هيئة القضاء بسياج من الضمانات التي تكفل لهم تحقيق أكبر قدر من الاستقلال والاطمئنان بما يكفل نزاهتهم وحيادهم وحسن تكوينهم.
ويرتكز النظام القضائي بالمغرب والدول المماثلة على تعدد درجات التقاضي، فكل قضاء فوقه قضاء و على خلفية الافتراض بضرورة وقوع الخطأ القضائي شرعت طرق الطعن العادية وغير العادية، إلا أن هذه الطرق جميعها لا تؤدي إلى إعدام العلة التي تلازم طبيعة عمل القضاة الذين لا يحكمون بعلمهم وإنما تعرض عليهم أحداث ونوازل عبر وسائل قد تكون سليمة وقد لا تكون كذلك بجرة قلم، وبعد جلسات قد تطول أو تقصر يصدر حكم بالإعدام أو بالمؤبد في حق شخص بريء، فإذا بالحكم الذي قصد به المشرع أن يكون عنوانا للحقيقة وترجمانا للعدل يصبح جانيا على الأبرياء.
وبالتالي يظل الحكم القضائي مهما علا شأن مصدره عملا بشريا، ومن طبيعة البشر الخطأ والنسيان.
بيد أن أخطاء العدالة ليست كسائر الأخطاء، وغالبا ما تؤدي إلى إحداث أضرار بالغة بالأفراد، تفوق الأضرار التي قد تسببها باقي مؤسسات الدولة، لأن الخطأ صادر عن مؤسسة تملك بين يديها مصائر الناس وأعراضهم وحرياتهم وحقوقهم، فليس أبلغ خطورة من خطأ، قد تصل أثاره إلى حد تنفيذ حكم بالإعدام على شخص بريء، وليس أقصى على النفس وأكثر خدلانا من صدوره عن مؤسسة تفترض فيها القدسية والنزاهة والعدالة أكثر من باقي المؤسسات. مادامت أنها هي المنوطة بتحقيق العدل وإعلاء راية الحق في الدولة، مما يستتبعه فقدان الثقة في نجاعة القضاء ونبل رسالته ويختل تبعا لذلك الأمن القضائي.
فحصول الأخطاء هو نتيجة لعمل القاضي الذي قد يشوبه الخطا أو الإهمال أو سوء الفهم مما يوجب مساءلته.
وتكيف المسؤولية عن الخطا القضائي على أنها المسؤولية الرامية إلى اقتضاء التعويض عن الأضرار التي قد يتسبب في نشوءها مرفق القضاء، والاعتراف بشرعية التعويض عن الأضرار الناشئة عنها يعتبر إحدى مظاهر التطور الذي شهدته المسؤولية العامة حيث تم إقرار هذا الحق مؤخرا في دستور2011 في فصله 122 على أنه : "يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة". هذا النص لا يميز بين الخطأ الخفيف والخطأ الجسيم وبالتالي كلما أدى الخطة القضائي إلى إحداث ضرر للمتقاضي مهما قل أو كثر إلا وفتح المجال أمامه من أجل مطالبة الدولة بالتعويض.
تعريف الموضوع :
عرف المشرع المغربي الخطأ في الفصل 78 من قانون الالتزامات والعقود بأنه :"ترك ما يجب فعله أو فعل ما يجب الإمساك عنه وذلك من غير قصد الإحداث الضرر، فالخطأ هو الإخلال بالالتزامات والواجبات القانونية وينتج عن إتيانها وارتكابها المسؤولية المدنية أو الجنائية والإدارية.
ويمكن القول أن الخطأ القضائي هو ذلك الفعل أو الامتناع الصادر عن السلط القضائية فهو يشمل كل القرارات المشوبة بخطأ والصادرة عن المحاكم عندما تصبح هذه القرارات غير قابلة للطعن العادي وبهذا لا يتعلق الخطأ القضائي بالقرارات التي يكون هناك مجال لإمكانية استئنافها.
وبهذا يعتبر الخطة القضائي موضوعا حساسا عرف نقاشا فقهيا وقضائيا، فكان له صدى واسع من حيث الأساس القانوني المعتمد في إثارة مسؤولية الدولة عن الأخطاء التي يتسبب فيها القضاء والتي هي في الغالب تعد أخطاء غير عمدية، تستحق تعويض المتضرر منها.
ويعرف التعويض بأنه : "جبر الضرر الناتج عن الخطأ"، فالحق في التعويض هو الحق في الحصول على ما يجبر الضرر الذي تعرض له الفرد، بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية لخطأ المسؤول، فلا يكفي لقيام المسؤولية وقوع الخطأ، بل لابد أن يترتب عن الخطأ ضرر، وإلا انتفت مصلحة المدعي في ممارسة دعوى المسؤولية.
فالتعويض بهذا المعنى يجد مصدره في قواعد القانون المدني من خلالها يلزم كل شخص بإصلاح الأضرار المترتبة عن سلوكياته، إذ أن التعويض في وقتنا الراهن لم يعد إشباعا لغزيرة الانتقام، وإنما هو محض إصلاح الآثار الضارة للفعل، ويفترض أن يجبر الضرر اللاحق بالمضرور کمدعی۔
فالضرر إذن ركن أساسي لقيام المسؤولية الموجبة للتعويض وهو الذي يبرر مصلحة المتضرر من الخطأ القضائي في اللجوء إلى مسطرة المطالبة برفعه
الإطار التاريخي للموضوع :
ويتم استقراء التطور التاريخي لحق الإنسان في التعويض عما لحق به من ضرر نتيجة خطأ قضائي، عن كون هذا الخطأ عموما قد حظي بنصيبه من الاهتمام من طرف الديانات السماوية والتشريعات الوضعية على حد سواء.
وهكذا على مستوى الدين الإسلامي الحنيف، أشار القرآن الكريم إلى الخطأ القضائي في الآية الكريمة من سورة النساء التي ورد فيها : (ومن يكتسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا).
كما وجد صدى له من جهة آثار الصحابة، حيث ورد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري بخصوص القضاء ما يلي:"ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل"، ومن جهة ثانية في إسناد مهمة أداء التعويض عن أخطاء القضاء المستحقيه إلى بيت مال المسلمين.
أما على صعيد التشريعات الوضعية، فقد برزت فكرة التعويض جبرا للضرر الناتج عن الخطأ، في القاعدة التي وضعها فقهاء القانون الفرنسي القديم الذي توجب التعويض عن كل خطأ أحدث ضررا بالغير 2. ففي فرنسا بزغ فجر التعويض عن الأخطاء القضائية في عصر التنوير الذي شهد تغيير في مفهوم الدولة والسلطة والعدالة، وتعتبر حملة "فولتير" لإعادة اعتبار "کالاس" وعائلته البداية الحقيقية للتصدي للخطة القضائي والتعويض عنه.
وعلى إثر توالي حالات الخطة القضائي في المجال الجنائي، تدخل المشرع الفرنسي لأول مرة بموجب قانون 8 يونيو 1895، والذي أعطى للأفراد الذين حكم ببراءتهم نتيجة التماس إعادة النظر، الحق في الحصول على تعويض عن الأضرار التي أصابتهم جراء الحكم السابق بالإدانة
وقد كان من الطبيعي أن يلقي هذا الموقف التشريعي الفرنسي الهام بظلاله على التشريعات الأوربية، والعربية من خلال تضمين نصوصها القانونية مبدأ التعويض عن الخطأ القضائي، ومن بين هذه التشريعات، التشريع المغربي الذي ظل على مدار عقود لاحقة متمسكا برفض مسؤولية الدولة عن التعويض عن الأخطاء القضائية وسايره في ذلك القضاء وجانب من الفقه، غير أنه خرج عن القاعدة استثناء لما أجاز التعويض عن الأخطاء الشخصية الواقعة من القضاة أثناء مباشرة وظائفهم القضائية في إطار نظام المخاصمة أو الأخطاء الواقعة
نتيجة مراجعة الأحكام الجنائية النهائية وذلك بموجب قانون المسطرة الجنائية الصادر في 10 فبراير 1959 في الجزء المتعلق بالمراجعة وتحديدا في الفصل1620، وكذا في القانون الحالي للمسطرة الجنائية الصادر 3 أكتوبر 2002 2.
وقد عرف الخطة القضائي بالمغرب اهتماما متزايدا إلى أن تم دسترته بموجب الفصل 122 من الدستور المراجع لسنة 2011، ويكون بالتالي من ضمن التشريعات المتقدمة في مجال التعويض عن الخطأ القضائي.
وجاء هذا التطور نتيجة لعدة اعتبارات كان أهمها الهاجس الديمقراطي والتزام الدولة بحقوق الإنسان لكون المغرب وحسب ديباجة دستوره يعتبر جزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية وبالتالي هو مطالب بملائمة تشريعاته مع التشريعات الدولية في كل ما يخص حماية حقوق الإنسان.
أهمية الموضوع :
بالنظر للأهمية التي يحظى بها الدستور في الدول الديمقراطية فقد حظيت الوثيقة الدستورية بالمغرب باهتمام كبير من قبل الفاعلين السياسيين والمدنيين وكذلك المواطنين ويرجع بطبيعة الحال هذا الإهتمام إلى الرغبة في تحقيق صياغة مشتركة لبنود الدستور الذي يعد اسمی وثيقة قانونية في الدولة.
ولعل أهمية موضوع التعويض عن الأخطاء القضائية، منبثقة أساسا عن حداثته وعن خصوصية المرفق، ويكتسي هذا الموضوع أهمية بالغة إن على المستوى النظري وإن على المستوى العملي .
فالأهمية النظرية الذي يقدمها هذا الموضوع تتجلى أساسا في العديد من النقط من بينها:
أن استحداث نظام تعويض المتضرر من الخطأ القضائي بموجب نص دستوري، يعد خطوة راسخة وضمانة كبرى نحو كفالة دولة الحق والقانون، تضاف إلى الضمانات الكبرى التي جاء بها دستور 2011 بشأن تكريس ضمانات المحاكمة العادلة.
كما أن التنصيص على حق التعويض عن الخطأ القضائي يؤكد النهج الحقوقي الذي انخرط فيه المغرب، ويترجم مدى حرصه على ملاءمة تشريعه الداخلي مع التشريعات الدولية والاتفاقيات العالمية التي صادق عليها.
أن التعويض عن أخطاء العدالة مكسب من شأنه الرقي بكرامة الإنسان، فالتعويض عن الأضرار التي تلحق الأفراد من أكثر أجهزة الدولة حصانة، تشعرهم بأن حقوقهم مصانة مما يزيد تعزيز الثقة في مؤسسات الدولة والإحساس بالانتماء الوطني 1.
أما الأهمية العملية لهذا الموضوع فتتجلى أساسا من خلال ما سيحققه هذا المعطي الدستوري الجديد على أرض الممارسة، لاسيما أن الساحة القضائية تعج بحالات موشومة بالخطأ القضائي لطالما نادي الفقه بضرورة جبر أضرارها. كما أن حداثة التجربة في النظام المغربي جعلت من هذا الموضوع مرتعا لوابل من الشكايات القضائية سيما في غياب أي دليل من شأنه أن يميط احجبة الضبابية عن هذا المقتضى الدستوري …………
لتحميل الموضوع كاملا المرجو الضغط على روابط التحميل التالية:
رابط تحميل اضغط علي هنا (PDF) هنا
من فضلك شارك التدوينة مع أصدقائك لتعم الفائدة ولا تنسى أن حب المعرفة هبة تنموا بالمشاركة وزكاة العلم في نشره .
وفقكم الله.