عرض حول موضوع: مفهوم المستهلك علي ضوء مقضيات قانون 31.08

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام ورحمة الله تعالى وبركاته تحية طيبة لزملائي الطلبة و الطالبات شعبة القانون مسلك القانون الخاص

عرض حول موضوع:

مفهوم  المستهلك علي ضوء مقضيات قانون 31.08

مقدمة:

إن مفهوم حماية المستهلك يُعدّ من المفاهيم المجتمعية المهمة، ويعرف بأنه كافة القوانين، والأحكام القضائية التي تهدف إلى تقديم الحماية للمستهلكين من التعرّض لأيٍّ من عمليات النصب، والاحتيال التي قد تواجههم من قبل بعض التجار، ويُعرف أيضاً بأنّه مجموعة الضوابط الاجتماعية والأخلاقية التي تُفرض على كافّة العاملين في القطاعات التجارية، وتلزمهم باحترام كافة فئات المستهلكين، وتقديم السلع، والخدمات لهم بأسلوب صحيح ومناسب .

وظهر مصطلح حماية المستهلك لأوّل مرة في عام 1873م كنوع من أنواع القوانين التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية كوسيلةٍ من الوسائل التي تمنح المعاملات التجارية صفةً قانونية، ومن ثمّ بدأ التعديل والتطوير على هذا القانون يعتمد على التطورات التي حدثت في المجتمعات، وأثرت على المجال التجاري، وساعد وجود مجموعةٍ من الجمعيات التي اهتمت بحماية المستهلك على تطبيق كافة النصوص القانونية الخاصّة في هذا القانون، والتي عملت على توفير كافّة الوسائل التي تُساهم في الدفاع عن حقوق المستهلكين، لذلك اعتبرت حماية المستهلك من المكونات المهمة في المجتمعات الإنسانية.

أما عن مشروع حماية المستهلك ببلادنا، فإنه يرجع لبداية الثمانيات من القرن الماضي، حيث شاءت الأقدار أن يعمر هذا المشروع ما يناهز30 سنة، لتتم برمجته ضمن جدول أشغال الهيئة التشريعية لموسم 2010، وهو ما أسفر عن ميلاد القانون (31.08) القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.

إن دراسة موضوع حماية المستهلك تقتضي الإلمامبالقواعد العامة المنظمة لهذا الموضوع، فتحديد مفهوم المستهلك يعد من الموضوعات التي احتدم الخلاف حولها، كما تتجلى أهمية تحديد مفهوم المستهلك في كونه معيارالتحديد نطاق تطبيق النصوص الخاصة بحماية المستهلك من حيث الأشخاص ومن حيث الموضوع.

وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم المستهلك مرتبط إلى حد كبير بمفهوم المهني أو المورد باعتبارهما أطراف العقد الاستهلاكي.

ويعد مفهوم المستهلك من المفاهيم التي أحدثت ثورةعلى المستوى الفقهي ، كما طرحت إشكالات عديدة من خلال الممارسة القضائية، هذا من جهة ومن جهة ثانية اربك حسابات بعض المشرعين على مستوى نطاق المفهوم.من هذا المنطلق نطرح التساؤلات التالية

-كيف  تعامل الفقه والاجتهاد القضائي مع مفهوم المستهلك؟

-وما موقف التشريع المغربي وكذا التشريعات المقارنة من هذا المفهوم؟

- من خلال الاشكال أعلاه  اعتمدنا منهجا تحليليا مقارنا وفق التصميم التالي: 

-المبحث الاول: مفهوم المستهلك بين الفقه والقضاء

-المبحث الثاني:. مفهوم المستهلك في القانون المغربي والمقارن.

المبحث الأول: مفهوم المستهلك بين الفقه والقضاء

سنعمد الى تعريف المستهلك من خلال الفقه في مطلب اول على ان نخصص المطلب الثاني للتعرف على مفهوم المستهلك على مستوى القضاء

المطلب الأول : مفهوم المستهلك في الفقه

مفهوم المستهلك في الفقه يتنازعه اتجاهان، الاتجاه الأول يضيق مفهوم المستهلك (فقرة أولى) والاتجاه الثاني يوسع من هذا المفهوم (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاتجاه الضيق لمفهوم المستهلك

يرى مؤيدوا هذا الاتجاه أن قواعد القانون 31.08 المتعلق بوضع تدابير لحماية المستهلك  يتضمن قواعد تهدف لحماية المستهلكين في علاقتهم بالمهنيين, فيعرفون المستهلك بأنه:"الزبون غير المحترف للمؤسسة أو المشروع.

ويعرفه البعض الآخر بأنه :"كل شخص يتعاقد بهدف إشباع حاجياته الشخصية أو من يتعاقد لأغراض مهنته أو مشروعه"

‏ويلاحظ على هذا التعريف، تضييقه كثيرا من مفهوم المستهلك حيث حصر المستهلك في الشخص الطبيعي دون المعنوي وتصور المستهلك بأنه شخص لا يهمه سوى إشباع حاجاته الشخصية من مأكل و ملبس.

ويعرفه الفقيه الفرنسي GUYON YVES بأنه:"ذلك المشتري أو الزبون الذي يمكن افتراض أنه ذكي وعاقل قادر على أن يكسب أو يحمي حقوقه في مواجهة البائع الذي يقابله".

‏ أما الأستاذcalais auloy فيعرف المستهلك:"الشخص الطبيعي الذي يقتني او يستعمل مال او خدمة لغرض عير مهني".

 

‏ أما التعريف الذي جاء به الفقيه الفرنسي "JEAN CALAISAULOY"والذي تبنته لجنة تلقيح وصياغة قانون الاستهلاك الفرنسي فقد عرف المستهلك بأنه:"الأشخاص الذاتيين أو المعنويين الذين يحصلون أو يستعملون السلع أو الخدمات للاستعمال غير المهني"

ونجد أن هذا الاتجاه اعتمد معيار الغرض من التصرف والذي يسمح بتصنيف شخص ما بين طائفة المحترفين أو طائفة المستهلكين, فالمستهلك المستفيد من أحكام القوانين المتعلقة بحماية المستهلك هو كل شخص يصبح طرفا للحصول على سلع و خدمات من أجل إشباع حاجاته الشخصية أو العائلية غير المهنية و أستبعد فئة التجار و المهنيينالذي يتعاقدون لأغراض تجارية أو مهنية من التمتع بالحماية التي يكفلها القانون  للمستهلك بل أكثر من ذلك استبعد صفة المستهلك عن الشخص الذي يقتني منتوجا أو خدمة  لغرض مزدوج أي استعماله لغرض مهني و شخصي في وقت واحد.

ولقد استبعد أنصار هذا الاتجاه المحترف من الاحكام المتعلقة بحماية المستهلك متدرعين بعدة حجج، منها ان المحترف الذي يتصرف من اجل حاجات مهنته سيكون أكثر تحفزا من الشخص الذي يتصرف لغرض خاص، وبالتالي سيحسن الدفاع عن نفسه، و إذا تصادف وجود محترف في وضعية ضعفه فإن ذلك يستدعى حمايته بقواعد خاصة لا بقواعد قانون الاستهلاك" ونجد أمثلة عديدة عن ذلك في عقود قروض الاستهلاك  والقروض العقارية، وبصفة عامة في كل الاتفاقات المنظمة للعالقات المالية بين المستهلك و المهنيين.

الفقرة الثانية: الاتجاه الواسع لمفهوم المستهلك

ظهر هذا الاتجاه مع ظهور الدعوة إلى حماية المستهلك وتجسد في ذلك الرئيس الأمريكي "كندي" بالكنغرس الأمريكي سنة 1962 بقوله: "أن المستهلكين هم نحن جمعا"

فيعتبر المستهلك وفقا لهذا الاتجاه: "كل شخص يتعاقد بهدف الاستهلاك "بمعنى استخدام أو استعمال مال أو خدمة معينة. فيعتبر مستهلكا كل من يشتري سيارة لاستعماله الشخصي: أو المهني على اعتبار أن السيارة تستهلك في كلتا الحالتين عن طريق استعمالها.

ويعرفه بعض الفقه بأنه: الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يبرم تصرفا للحصول على منتوج بقصد أن يكون هو أو ذويه المستعمل النهائي له وتمتد نفس الصفة إلى المهني الذي يتعاقد خارج مجال تخصصه"

ويستشف من تعريف  الاتجاه الموسع في تعريف المستهلك انهم اعتمدوا على معيار الضعف من الناحية الاقتصادية والتقنية، ولم يعتمدوا معيار الاستعمال الشخصي للتفرقة بين المستهلك و المهني

ويلاحظ كذلك أن هذا الاتجاه توسع في تعريف المستهلك ليشمل الشخص المعنوي، والعبرة من ذلك تكمن في كون هذا الأخير يمكن أن يتواجد في مركز ضعف سواء فنيا أو اقتصاديا.

ويرى بعض الفقه ضرورة أن تستبعد من هذا التصور لمفهوم المستهلك فرص الشراء ألجل إعادة البيع, ألن المال لا يستهلك في هذه الحالة.

وتمتد الحماية وفق هذا الاتجاه  لتشمل المهني الذي يتعاقد خارج نطاق تخصصه، ويعتمد الفقه المؤيد لهذا الاتجاه  على التمييز بين المستهلك المهني، والمستهلك غير المهني والتفريق بين المهني وغير المهني، وذلك بالارتكاز على معيارين أساسين هما: معيار عدم الاختصاص و معيار العالقة المباشرة.

فمعيار عدم الاختصاص هو الاكثر اتساعا وهو يتوافق مع المقابلة التي أجرتها قوانين الاستهلاك  بين المهني وغير المهني، ومن ثمة يكون مستهلكا الشخص الذي لا يمارس اختصاصه المهني بمعنى من يتعاقد للحصول على المنتجات و الخدمات للاستعمال غير المهني وبذلك فإن المهني إذا ما تعاقد خارج نطاق اختصاصه المهني يعد مستهلكا تجب حمايته القانونية.

   ووفقا لهذا المعيار فإن " غير المهني" يعد مصطلحا غامضا لأنه يجعل المهني ‏ مستهلكا في الوقت الذي تصرف خارج نطاق اختصاصه.

أما معيار العلاقة المباشرة فيمكن تشبيه المهني بالمستهلك أو الغير المهني إذا تعاقد من أجل الحصول على منتوج أو خدمة ليست لها عالقة مباشرة بنشاطه المهني.ويضيف الفقيه "عباسي بوعبيد" أنه عندما تتعلق السلعة المشتراة بالمهنة بصفة مباشرة فإن المهني لا يكتسب صفة مستهلك, وبالتالي لا يستفيد منالقواعد الحمائية« أما عندما تتعلق السلعة بالمهنة بشكل غير مباشر فقط فإن المهني يكتسب صفة المستهلك.

ويؤخذ على هذا الاتجاه  الموسع عدة مآخد في تعريف المستهلك منها بالخصوص:

- هذا الاتجاه  يجعل حدود قانون الاستهلاك  غير دقيقة لمعرفة ما إذا كان المهني يعمل في إطار تخصصه أولا حتى يتم تحديد القانون الواجب التطبيق, فال يمكن أن نعتبر المهني المتعاقد في غير اختصاصه كالمستهلك العادي

- المهنيون الذين يتعاقدون خارج تخصصهم في وضعية ضعف لن يحتاجوا لقواعد حماية المستهلك لأنه توجد قواعد خاصة باعتبار أن القواعد المتضمنة في قوانين حماية المستهلك تتعلق فقط بالمستهلك العادي.

ورغم الضعف الذي يكتسي المفهوم الموسع للمستهلك إلا أن التطور السريع للمنتجات خاصة مع استعمال التقنيات الحديثة في تصنيعها  جعل من الأنسب حمايةهذا المهني الذي يتعامل في غير دائرة على أن تتم حمايته بقواعد خاصة , تستجيب لمعطيات اقتصادية تضع في الحسبان ضعف المهني تقنيا لا اقتصاديا.

المطلب الثاني: مفهوم المستهلك من المنظور القضائي

سنتناول في هذا المطلب كل من مفهوم المستهلك على الممارسة الفضائية في كل من فرنسا (فقرة أولى)  والمغرب (فقرة ثانية) .

الفقرة الأولى: مفهوم المستهلك في القضاء الفرنسي

لم يتوقف الخلاف الفقهي حول المستهلك عند هذا الحد بل تحول إلى جدل قضائي فالقضاء الفرنسي في بداية الأمر أخد في عين الاعتبار الغرض من التعاقد على السلعة أو الخدمة فعرفه بأنه:" الفرد الذي يصبح طرفا في عقد يتعلق بالتزود بالسلع و الخدمات لإشباع حاجاته الشخصية.

‏ونجد أن القضاء الفرنسي يميل إلى الأخذ بالمفهوم الضيق للمستهلك حيث صدرت عدة أحكام قضائية تؤيد هذا المعنى الضيق للمستهلك. واتجهت محكمة النقض الفرنسية إلى تبني المفهوم الضيق على أساس أن المستهلك وحده الذي يبرم عقد الاستهلاك  من أجل تلبية حاجاته الشخصية أو العائلية ويجوز له أن يستفيد من الحماية القانونية التي يبقى نطاقها محدودا.

ففي 24 نوفمبر 1993 رفضت الغرفة المدنية الأولى من محكمة النفض الفرنسية تطبيق المادة 1-132 من تقنين الاستهلاك  في الدعوى التي كان محلها عقد بيع لشجيرات التفاح بين المشتري وزارع هذه الشجيرات, ويبدو أن الزارع هنا في رأي القضاء الفرنسي – لا يستحق حماية قانونية من خلال تقنين الاستهلاك .

وفي قرار حديث لمحكمة النقض الفرنسية في هذا الاتجاه الضيق لمفهوم المستهلك، رفضت اعتبار التاجر مستهلكا بالنسبة لعقد توريد المياه الخاصة بمحله التجاري ورفضتتطبيق المادة 1-132 من قانون الاستهلاك الخاصة بالشروط التعسفية على هذا العقد لوجود صلة مباشرة بينالعقد ونشاط التاجر.

رغم ميل القضاء الفرنسي إلى الاتجاه  الضيق لمفهوم المستهلك من خلال أحكامه إلا أنه قد توسع في بعض الأحيان في تحديد مفهوم المستهلك في عدة قرارات: وقضى في أحد منها باعتبار المندوب التجاري أو الفني لإحدى الشركات الذي قام باستئجار سيارة للنقل بها فيما يتعلق بشؤون عمله وكذلك للتنقل بها لأموره الشخصية مستهلكا.

‏ وفي أحد قرارات الصادرة عن الغرفة المدنية الأول ى لمحكمة النفض الفرنسية في1987/04/28 قامت بتمديد تطبيق النصوص الحمائية ضد الشروط التعسفية إلى شركة ‏ تمارس نشاطها كوكالة عقارية بمناسبة جهاز الإنذار في الأماكن التي تؤجرها.

‏ وبهذا القرار نجد أن القضاء الفرنسي قد وضع المستهلك و المهني الذي يتعاقد خارج إطار تخصصاتة المهنية أثناء ممارسة مهنته في كفة واحدة على أساس أن هذا الأخير في نفس مركز المستهلك (عدم العلم) ويجب إيفادته بالأحكام الحمائية، فاتبع الاتجاه  الموسع لمفهوم المستهلك وأدخل المهني الذي ال يعلم بخصائص السلعة أو الخدمة المقتناة في طائفة وهو ما يجسده القرار لسنة 1993 في قضية تتلخص وقائعها أنه بعد التعاقد بين أحد التجار وشركة بقصد تركيب جهاز إنذار بمتجره ولدى التعاقد سدد التاجر مبلغ العربون إلا أنه وبعد أن أعاد التفكير قرر الرجوع في التعاقد وبلغ قراره للشركة المعنية في المهلة  المحددة لذلك إلا أن هذه الأخيرة رفض الاستجابة لطلبه ودفعت بأن هذا الأخير (التاجر( قد تعاقد بصفته صاحب مهنة ومن ثم لايجوز له التمسك بحق الرجوع في التعاقد المنصوص عليه قانونا.

إلا أن محكمة النقض رفضت نقض حكم دائرة الاستئناف تأسيسا على أن العقد الرئيسي موضوع النزاع يتعلق بتركيب جهاز إنذار وال عالقة له بالاختصاص المهني للتاجر والذي يكون في نفس وضعية أي مستهلك آخر.

غير أن محكمة النقض الفرنسية أصبحت تصدر قراراتها على أنه لا يستفيد من قواعد الحماية من يبرم عقدا ذو صلة مباشرة مع نشاطه المهني.

الفقرة الثانية : مفهوم المستهلك على مستوى القضاء المغربي

من خلال استقراء الاجتهاد القضائي المغربي نجده لم يعط تعريفا واضحا لتحديد مفهوم المستهلك: فقد اكتفى في أحد قراراته باعتباره متعاقدا عاديا يمكن أن يتمسك بعيوب الرضى من أجل إبطال تصرفاتهم من تم غاب عن فلسفته المنظور الاقتصادي للعلاقة التي قد تكون غير متساوية.

ولا زال القضاء يربط مفهوم المستهلك بمفهوم المهني أو الزبون أوالمشتري أو المتعاقد أو الأمي.

حيث نص في قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط أن عبارة الأمي هو التي صدرت في الفصل 427 من ق.ل.ع يقصد بها المشرع المغربي الأشخاص الذين لا يعرفون التوقيع بالمرة. 

وعدل المجلس الأعلى عن هذا الموقف المذكور أعلاه. وخرج عن القاعدة التي قررها في الفترات السابقة حيث اعتبر أن الأمي ليس هو الذي يجهل الإمضاء أو يجهل مضمون الوثيقة وإنما هو الذي لا يعرف اللغة التي حرر بها العقد. 

ومن الواضح أن المجلس الأعلى اعتمد على مفهوم واسع للامية مما يؤدي إلى إضفاء صفة الأمية على غير الأميين، فحسب فلسفة المجلس الأعلى فالمتمكن في اللغة العربية يعتبر أميا نظرا لجهله اللغة الأجنبية التي حرر بها العقد و العكس صحيح.

المبحث الثاني : مفهوم المستهلك من خلال القانون 31.08 والقانون المقارن.

يروم قانون حماية المستهلك تنظيم العلاقة بين المورد والمستهلكين، فيما يتعلق بمختلف المنتجات ، والخدمات، والسلع الاستهلاكية والدفاع عن مصالح المستهلكين عبر الجمعيات المتخصصة.

 لهذا سنقوم بدراسة هذا المبحث من خلال بيان ماهية المستهلك في قانون حماية المستهلك المغربي (المطلب الأول) وكذا دراسة موقف بعض التشريعات المقارنة من المفهوم القانوني للمستهلك (المطلب الثاني).

المطلب الأول  : مفهوم المستهلك في قانون حماية المستهلك 31.08

إن الدارس للتشريع المغربي بخصوص موضوع حماية المستهلك يقف على غياب تعريف محدد للمستهلك قبل صدور القانون 08 .31  حيث إن النظام القانوني المغربي لم يعط تعريفا للمستهلك سواء في قانون الالتزامات والعقود أو في بعض القوانين الخاصة التي لها ارتباط بحماية المستهلك كالقانون المتعلق بتنظيم مراقبة الأسعار،أو قانون 5 أكتوبر2000 المتعلق بزجر الغش في البضائع أو في قانون 5 يونيو2000 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بحيث اقتصر فقط على استعمال عبارة المستهلك أو عبارات عامة أخرى.

وإذا كان ليس من عادة المشرع بل ليس من وظيفته أن يقدم تعريفات قانونية إلا نادرا، لأن عملية وضع التعريف  من عمل الفقه والقضاء، إلا أنه ولتفادي اللبس والغموض الذي يطرحه مفهوم المستهلك وما يثيره من إشكالات قانونية. كان واجبا على المشرع المغربي التدخل بوضع تعريف محدد له وهذا ما نهجه في القانون 31.08القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.

وبالرجوع إلى القانون السالف الذكر، يظهر جليا من خلال المادة الثانية منه أن المشرع أعطى تعريفا للمستهلك حيث نصت هذه المادة على ما يلي:

يحدد هذا القانون العلاقات بين المستهلك والمورد.

يقصد بالمستهلك كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجاته غيرالمهنية منتوجات أو أو خدمات معدة لاستعماله الشخصي أو العائلي؛"ويستفاد  من خلال التعريف المذكور أعلاه، أنه ينبغي أن تتوفر جملة من العناصر حتى يمكن إضفاء صفة المستهلك على الشخص وهذه العناصر هي:

-أن يكون الشخص طبيعيا أو معنويا:

من خلال التعريف المقدم أعلاه يتضح لنا أن المشرع اعتبر المستهلك شخصيا طبيعيا طالما أن الغرض من الاستهلاك هو سد حاجات شخصية تعتبر في الأصل حاجات الشخص الطبيعي. ولم تقف المادة الثانية من قانون 31.08 عند هذا الحد بل امتدت لتشمل حتى الشخص المعنوي الذي عادة ما تكون تصرفات الشخص الطبيعي كالجمعيات مثلا.  

- أن يقوم باقتناء أو استعمال منتوجات أو سلع أو خدمات:

أن يقوم باقتناء أو استعمال منتوجات أو سلع أو خدمات لم تقدم المادة الثانية من قانون السالف الذكر أي تعريف للمنتوج أو الخدمة لكن يمكن  القول بأن كل الأموال المنقولة يمكن أن تكون محلا لاستهلاك إذا تم اقتناؤها أو استعمالها  لغرض غير مهني مما يدل على اتساع نطاق تطبيق هذه المادة من حيث الموضوع .

إلى جانب المنتوج يشمل الاستهلاك  الخدمات أيضا التي تبقى مجهولة في القانون المدني وكثيرة الاستعمال في القانون التجاري ويشمل كل الخدمات التي يمكن تقديرها تقنيا.

فهناك خدمات ذات طبيعة مادية مثل التنظيف و التصليح و خدمات ذات طبيعة فكرية أو ذهنية كالعلاج الطبي و الاستشارات القانونية و خدمات أخرى لها طبيعة مالية  كالقرض و التأمين.

- أن يستعملها لتلبية حاجيات غير مهنية أي معدة لاستعماله الشخصي أوالعائلي:

هناك نوع من التكرار حينما نتحدث عن تلبية حاجيات غير مهنية ثم نعود للتأكيد على الاستعمال الشخصي أو العائلي حيث كان يكفي النص على تلبية الحاجيات غير المهنية, كما أن الاستعمال قد يكون من طرف شخص آخر خارج العائلة كما هو الحال بالنسبة لمن يشتري لفائدة مؤسسة خيرية أو لفائدة شخص معوز يعرفه. والاستعمال الشخصي أو العائلي في نظرنا هو جزء من الحاجيات غير المهنية للمستهلك .

ونسجل بهذا الخصوص عدم إدراج مصلح غير المهني إلى جانب مصطلح المستهلك في التشريع المغربي من خلال القانون 31-08 .وكذلك عدم اعتبار المهني الذي يتعاقد خارج مجال تخصصه لفائدة مشروعه أو مهنته مستهلكا.وخالصة القول أن المشرع المغربي تبنى مفهوما وسطيا للمستهلك بين المفهومين الضيق والواسع للمستهلك حيث أقحم الأشخاص المعنويين في مجال الحماية لكنه أكد على الاستعمال الشخصي أو العائلي.

وإذا كان القانون 31.08 عرف المستهلك في المادة الثانية فإن العناصرأو  المعايير المعتمدة في هذا التعريف تستوجب هي الأخرى تحديدها، ومن الإيجابيات التي جاءت بها المادة الثانية من القانون السالف الذكر وضع تعريف للمستهلك إلا أنه ما يعاب على هذا النص عدم الدقة في تحديد المفاهيم بحيث استعمل مصطلحات فضفاضة وهذا ما  سيؤدي إلى كثرة التأويلات والتفسيرات بهذا الصدد.

المطلب الثاني : مفهوم المستهلك في القانون المقارن

لقد تعددت التعريفات لمفهوم المستهلك في القانون المقارن بحسب التوجه الذي أخذه من الفقه بل إنه في غالب الأحيان لا يوجد تعريف دقيق ألن ذلك من اختصاص الفقه لا التشريع.

عموما سنتناول أهم ما جاءت به التشريعات المقارنة في البلدان العربية أو الغربية.

الفقرة الأولى : المفهوم في القانون الفرنسي

لم يعرف قانون الاستهلاك  الفرنسي الصادر سنة 1993 المستهلك غيرأن الأعمال التحضيرية لهذا القانون عرفت المستهلكين بكونهم "الأشخاص الذين يكتسبون أو يستعملون الأموال أو الخدمات لغرض غير مهني" كما تم تعريف المستهلك في إحدى النشرات الدورية الإدارية على النحو التالي "من الملائم عندما يتعلق الأمر بالمنتجات أن يقصد بالمستهلك ذلك الذي يستخدمها لإشباع حاجاتهالخاصة وحاجات من يعولهم من الأشخاص وليس لإعادة بيعها أو تحويلها أو استخدامها..." 

هذا الارتباك في القانون الفرنسي بين الأعمال التحضيرية ونص القانونيكرس الارتباك والتناقض بين مختلف الآراء الفقهية التي سادت الفقه الفرنسي.

عموما يلاحظ أن المشرع الفرنسي أخذ بالمعيار الموضوعي القائم على المعيار الاقتصادي على عكس المفهوم الشخصي الذي ينصب على تحديد الأشخاص محل الحماية. ذلك أن القضاء الفرنسي فسر المادة 35 من قانون 10 يناير 1978 المتعلق بالشروط التعسفية تفسيرا موسعا، على اعتبار أن هذه المادة أكدت أن هذا القانون يتعلق فقط بالعقود المبرمة بين المحترفين من جهة و غير المحترفين أو المستهلكين منجهة أخرى.

الفقرة الثانية :المفهوم في القانون المصري

تعرض التشريع المصري لمفهوم المستهلك في قانون حماية المستهلك رقم 67 الصادر سنة 2006 من خلال مادته الأول التي تنص على أن المستهلك "كل شخص تقدم إليه أحد المنتجات لإشباع احتياجاته الشخصية أو العائلية أويجري التعامل والتعاقد معه بهذا الخصوص.

باستقرائنا لهذه المادة من القانون المصري نلاحظ أن المشرع لم يوضح ما إن كان المقصود من إشباع الاحتياجات هل يقصد بها الاحتياجات الفردية البسيطة أم أيضا تلك التي لها أغراض مهنية مما يعني أن المشرع المصري اعتمد المفهوم الضيق للمستهلك، لكن عندما نلاحظ عبارة "كل شخص" فهي عامة ومنفتحة على الشخص الطبيعي والمعنوي معا، مما يدفعنا إلى استجلاء موقف القضاء في مصر الذي يبدو أنه أخذ بالمفهوم الضيق ‏ حسب البعض لكونه يحصر مفهوم المستهلك في الأشخاص الطبيعية وحدها دون الأشخاص المعنوية. لكن غلب الفقه والفضاء  في مصر أخذ بالمفهوم الواسع للمستهلك.

الفقرة الثالثة: المفهوم في القانون الجزائري

أوردت المادة 9 من الفقرة الثانية من المرسوم التنفيذي رقم 39/90 المتعلق بمراقبة النوعية و قمع الغش تعريفا للمستهلك جاء فيه أنه "كل شخص يقتني بثمن أو مجانا- منتوجا أو خدمة معدين للاستعمال الوسيط  والنهائي لسد حاجاته الشخصية أو حاجة شخص آخر، حيوان يتكلف به".

وهكذا نلاحظ أن المشرع الجزائري خرج بتعريف للمستهلك على غير عادة باقي التشريعات ولكنه بقي قاصرا في نظر الفقه وفيه الكثير من العبارات الغامضة مثل  مصطلحي "الوسيط" و"النهائي": فقد رأى البعض أن المشرع قصد أن يشمل مفهوم المستهلك ليس فقط المستهلك الأخير وإنما أيضا المستهلك الوسيط وهو المحترف التي ‏ يتصرف لأغراض مهنية تتمثل في حاجاته الاستثمارية:كما أضاف كذلك مصطلح

المجاني" الذي أراد به المشرع الجزائري توسيع نطاق الحماية للمستهلك لكنه يتناقض مع طبيعة عقد الاستهلاك.  

عموما يمكن تقدير موقف المشرع الجزائري بأنه انحاز إلى التوسيع من نطاق المستهلك لتشمل حتى المهنيين. 

خاتمة:

إن تحديد نطاق تطبيق القانون من حيث الأشخاص يعد عملا أساسيا وضروريا، يهدف تحديد المعنيين به حماية أو التزاما لذلك أحسن عملا المشرع المغربي حينما شد عن القاعدة  وعمل على تعريف أطراف العقد الاستهلاكي وحاول تحديدها بدقة وكان موفق إلى حد بعيد في ذلك.عموما يمكن القول أن بصدور قانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك خطى المشرع خطوات مهمة في طريق حماية المستهلك ، هذا الأخير عانى كثيرا من قصور القواعد العامة لقانون الالتزامات والعقود عن حمايته.يبقى الآن على المشرع وعلى جمعيات حماية المستهلك الإنكباب على تقييم فعالية هذا القانون على أرض الواقع، بالرغم من أنه لم يمر سوى ثلاث سنوات ونصف،وذلك من خلال البحث عن معوقاته وكذلك سير عمل المحاكم في في تطبيقه وذلك من خلال تحليل توجه الاجتهاد القضائي المغربي.

لائحة المراجع:

الكتب:

- محمد بودالي مدى خضوع المرافق العامة ومرتفقيها لقانون حمايةالمستهلك.

-عبد العزيز الصقلي، دراسة القانون المغربي للاستهلاك، مطبعة سجلماسة2005.

- حمد الله محمد حمد اهلل: حماية المستهلك في مواجهة الشروط التعسفية في عقود دار الفكر العربي القاهرة 1997.

- أسامة أحمد بدر: ضمانات المشتري في عقد البيع الالكتروني دراسة مقارنة دار الجامعة الجديدة ء مصر 2011.

- ممدوح إبراهيم: "حماية المستهلك في العقد الإلكتروني"ء طبعة 2008 مطبعة دار الفكر الجامعي، الإسكندرية.

الرسائل والأطاريح:

- شعباني نوال، التزام المتدخل بضمان سالمة المستهلك في ضوء قانونحماية المستهلك وقمع الغش مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية فرع "المسؤولية المهنية" كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2012.

- كهيئة قونان، ضمان السالمة من أضرار المنتجات الخطيرة في القانون الجزائري "دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي"ء مذكرة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية فرع المسؤولية المهنية, كلية الحقوق جامعة تيزي وزو، 2010.

- نزهة الخلدي، الحماية المدنية للمستهلك ضد الشروط التعسفية عقد البيع نموذجا"، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص: جامعة محمد الخامس, أكدال سنة 2004- 2005.

-عبد الله ذيب عبد الله محمود ء حماية المستهلك في التعاقد الإلكتروني، مذكرة ماجيستر كلية الدراسات العليا جامعة النجاح الوطنية , نابلس فلسطين، 2009

- سلمة بن سعدي، حماية المستهلك من الشروط التعسفية في عقود الاستهلاك  مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في العلوم القانونية تخصص: عقود ومسؤولية مدنية, كلية الحقوق جامعة الحاج لخضر باتنة سنة 2014-2013

المقالات:

- يوسف الزوجال، مفهوم المستهلك في التشريع و الفقه و القضاء المغربي، موضوع منشور بمجلة الفقه والقانون ص10   www.majalah.new.ma


 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال