بحث لنيل شهادة الإجازة في القانون الخاص: إثبات الملكية العقارية PDF


  إثبات الملكية العقارية

مقدمة:

    تم التركيز في الفقه الإسلامي على مفهوم الملكية والاهتمام به بشكل كبير، حيث تم توضيح أسبابه وطرق استخدامه. يتيح هذا المفهوم للمالك الاستفادة الكاملة من ممتلكاته، وهذا يظهر بشكل واضح في القانون المغربي، حيث تم تحديده كحق دستوري لا يمكن الإخلال به. يتم ضمان هذا الحق من خلال الوسائل القانونية التي توفر الحماية، ومن أهم هذه الوسائل الدعوى القضائية للحصول على الحقوق. تشغل هذه الدعاوى حيزًا كبيرًا من القضايا العقارية التي تُعرض على المحاكم المتخصصة، نظرًا لتعددها وتنوعها فيما يتعلق بالنزاعات المتعلقة بالملكية. يُعتبر اللجوء إلى القضاء في حالة تعرض مصالحهم العقارية للاستيلاء أمرًا منطقيًا وضروريًا، ويتحمل كل من يطلب حماية حقوقه من التدخل ضرورة إثبات صحة مطالبهم. كما جاء في الحديث الشريف، الذي نقله الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الأحكام وفقًا لرواية ابن عباس: "لو يُعطى الناس بدعواهم لادعى الناس دماء رجال وأموالهم...". ويعتبر المبدأ الأساسي في الذمة براءتها حتى تُثبت عمارتها.

كل حق مدعى به، في حالة نشوب نزاع حوله، إذا لم تدعمه وسائل الإثبات، يُعتبر عدمًا محضًا لا يُمسك به. لذا، لا يُعتمد انتقال الملكية إلا بوجود بيان يوضح سبب حصول تلك الملكية، ومن ثم، تُعتبر دعوى الاستحقاق العقارية في التشريع المغربي وسيلة لحماية الملكية العقارية.

إذا كان العقار المعني تحكمه مقتضيات الفصول: 65 و66 و67 من ظهير التحفيظ العقاري، فإن ملكية العقار غير المعني يمكن إثباتها بطرق متعددة، وهذا ما يُطرح لنا عدد من الإشكاليات في مجال الإثبات الذي يُعتبر ذو أهمية قصوى في دعاوى الاستحقاق.

تخضع القضايا المدنية لمبدأ يحدد طرق الإثبات بشكل محدد، حيث أعطى المشرع المغربي لكل دليل قوته، وجعل الإثبات بالدليل الكتابي قاعدة أساسية أمام القضاء المدني، وينص على ذلك الفصل 443 من القانون المدني الذي يُحدد أن "الاتفاقيات وغيرها من الأفعال القانونية التي تنشئ، أو تنقل، أو تعدل، أو تنهي الالتزامات أو الحقوق، إذا تجاوزت قيمتها عشرة آلاف درهم، لا يمكن إثباتها بشهادة الشهود، بل يجب أن تُحرر بها حجة رسمية أو عرفية، وإذا استوجب الأمر يجب أن تُحرر بشكل إلكتروني أو تُوجه بطريقة إلكترونية".

وبالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 4 من مدونة الحقوق العينية على أن "جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية، أو بإنشاء حقوق عينية أخرى، أو بنقلها، أو إسقاطها، يجب أن تُحرر تحت طائلة البطلان بواسطة محرر رسمي، أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، مالم ينص قانون خاص على خلاف ذلك".

المعاملات العقارية تُخضع لهذه المادة، إلا أن تلك المتعلقة بالعقار غير المعني، تُطبق بشأنها مدونة الحقوق العينية ومذهب الإمام مالك في المرتبة الثالثة.

تعدد آراء الفقهاء وتشتتها في الكتب جعل عملية التدوين صعبة وشاقة، خاصةً وأن الوقوف على الراجح والمشهور وما جرى به العمل من المذهب المالكي يحتاج إلى التمحيص والتدقيق واستشارة المختصين، إلى أن نجح المشرع في جمع شتات قواعد الفقه الإسلامي وأصدر مدونة الحقوق العينية التي تنص المادة الأولى منها على أن "تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار".

تُطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1933 (أغسطس 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يرد به نص في هذا القانون. وإذا لم يوجد نص يُرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي.

حدد المشرع طرق الإثبات في الفصل 404 من ق.ل.ع وهي إقرار الخصم، الحجة الكتابية، شهادة الشهود، القرينة، اليمين والنكول عنها.

وتختلف أهمية هذه الطرق بين طريقة و أخرى في الدعاوى العقارية، فملكية العقارات المحفظة لا تثبت إلا بالدليل الكتابي وهو الرسم العقاري، أما العقارات غير المحفظة فتخضع لمدونة الحقوق العينية ولما جرى به العمل من مذهب مالك.

ويشترط هذا المذهب بدوره الكتابة لتوثيق جميع المعاملات، إلا أنه يمكن في أحوال معينة إثبات الملكية بغير الكتابة، كحيازة العفار مدة معينة، وذلك برسم الاستمرار الذي يحرره عدلان بحضور اثني عشر شاهدا، ولكنه في نهاية المطاف يعتبر حجة كتابية يعتد بها.

وإذا كان العقار المحفظ لا يثير إشكالات عملية، إذ يعتد بالسجل العقاري وما يتضمنه من بيانات، فإن الأمر غير ذلك بالنسبة للعقار غير المحفظ الذي يمكن إثبات ملكيته بوسائل متعددة كما قلنا.

إن أسباب الملكية في الفقه الإسلامي متعددة، وهي الميراث والوصية والعقد والشفعة والهبة والقسمة والحيازة، فهذه الوسائل نفسها هي وسائل لإثبات الملكية العقارية.

أهمية الموضوع:

يكتسي هدا الموضوع أهمية كبيرة سواء من الناحية العلمية والعملية، فعلي المستوي العلمي تظهر أهمية الموضوع في الوقوف على مدى مسايرة مدونة الحقوق العينية للضوابط الفقهية التي كان الفضل في تأسيس فقهاء المالكية.

أما على مستوى العملي فتظهر أهمية الموضوع من خلال النزاعات المثارة أمام المحاكم بخصوص دعاوى الاستحقاق التي هي دعاوى الملكية والتي يهدف فيها الاطراف اثبات ملكيتهم لعقار أو حق عيني معين.

فتحليل وسائل الاثبات الملكية العقارية سيفيد بلا شك في فض النزاعات المعروضة على المحاكم.

اشكالية الموضوع: 

لا ريب أن هذا الموضوع يثير كثيرا من الإشكاليات على صعيد الواقع العملي، نظرا لما له من أهمية في حياة الأفراد، لذلك أفرد له المشرع قاعدة قانونية خاصة لتحديد ضوابطه وأحكامه، والذي يدفعنا لأن نتساءل، إلى أي حد تمكن المشرع المغربي من وضع ضوابط محكمة الاثبات الملكية العقارية بشكل يحقق الموازنة بين استقرار المعاملات وتحقيق الامن العقاري.

ويتفرع عن هذه الاشكالية مجموعة من الاسئلة: ما المقصود بإثبات الملكية العقارية ؟ كيف يتم اثارة هذه المحاكم؟ ماهي الحكمة المختصة؟ وماهي وسائل اثبات الملكية العقارية؟.

خطة البحث:

للإجابة عن هذه الاسئلة التي تتفرع الاشكالية المحورية لهذا البحث وفق التصميم التالي:

*المبحث الاول: مفهوم إثبات الملكية العقارية ودعوى الاستحقاق.

*المبحث الثاني: وسائل إثبات الملكية العقارية.

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال