بحث الإجازة بعنوان: المادة(9) من قانون المالية العمومية بين الأمن القانوني والقضائي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على اشرف المرسلين وخاتم النبيين ورحمه الله للعالمين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

تحية طيبة لزملائنا الطلبة والطالبات القانون شعبة القانون العام . إليكم زملائي بحث الإجازة بعنوان: المادة 9 من قانون المالية العمومية بين الأمن القانوني والقضائي

تنويه : تجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب كان في نسخته الأصلية عبارة عن بحث للحصول على شهادة الإجازة الأساسية في القانون الخاص ، تحت الاشراف الدكتورة فتيحة المشماشي قراءة ماتعة و شكرا 

بحث الإجازة بعنوان: المادة 9 من قانون المالية العمومية بين الأمن القانوني والقضائي

مقدمة:

إن مقتضيات المادة التاسعة من القانون رقم 70.19 قد شكلت نقاشا مهما حول الحديث المتعلق بسؤال الحكامة القضائية و تتجسد هذه الحكامة خلال العناصر الإرشادية التي يمكن استحضارها ويعد أهم عنصر فيها هو الاستقلالية القضاء بحيث تساعد على جعل إصلاح القضاء مقاربة حكماتية و الذي يؤدي بذلك لا محالة إلى تحقيق كل من الأمن القانوني و القضائي الذي تسعى له دولة المؤسسات.

فكما معلوم فإن نشأة المادة المذكورة أعلاه ، هو القانون المالي و الذي يعتبر دراسة الأبعاد سياسية و اقتصادية و قانونية بل و اجتماعية أيضا ، للأنشطة و العمليات المالية و الحسابية المرتبطة بتدخلات الدولة و الجماعات الترابية ، و الاشكالات المرتبطة بالتدبير المالي للإدارة و المرفق العام ، حيث تعتبر هذه المادة وليدة لهذا المناخ بل وتدعيما لمسلسل الانتقال الديموقراطي و بناء دولة المؤسسات استناد لمقومات الحكامة الجيدة للمرافق العمومية ، قد قرر البعض التوجه مع الأحكام التي كرستها المادة 9 ، بحيث يراها هي من مقومات الاصلاح المالي للإدارة

الا أن البعض الآخر يتوجه إلى أن هذه المقتضيات هي تقويض لبناء دولة الحق و القانون و دولة التي تعترف بالسلط و المؤسسات.

وتجدر الاشارة كذلك إلى أن المادة إن كانت نشأتها بين أحضان القانون العام هذا لا يعني أن جوهر مقتضياتها لا تمتد إلى فروع أخرى فلعلها تغوص لتعدل ضمنيا مقتضيات مسطرية راسخة بل قد تمتد إلى تجاوز أحكام أعلى منها درجة وألا وهي أحكام الدستور .

و تتجلى أهمية موضوعنا من خلال نظر اليها من الزاويتين، احداها نظرية تتمثل في نقاشات و الأحكام التي جاءت بها هذه المادة ، وأخرى إن شأنا القول عملية و تتجلی في بيان كيفية التعامل القضاء المغربي مع مقتضيات هذه المادة و مدى توفقه في ذلك لأن القضاء يعتبر هو الوسيلة المهمة التحقيق الأمن القضائي

استنادا لقانون السبيبة ، فلهذا البحث المتواضع أسباب دفعتني للتحرك إليه من خلال معالجته ترجع إلى نواحي عديدة تنقسم بين ما هو شخصي و ما هو موضوعي. 

+دوافع البحث الشخصية:

1) لا يخفى على كل طالب و دارس أن الشخص عند مشواره ما يتصادف مع مجموعة من الاشكاليات و المواضيع التي لا يجد لها إسهابا في بعض جوانب أحكامها .

2) الرغبة في تطوير هذه النوعية من البحوث و تكريس ثقافة التحليل و لاسيما كيفية التعامل مع المواد و تحليلها و بیان الأبعاد الخفية لها.

3) و أخيرا نختم دوافعنا الشخصية الإختيارنا لهذا الموضوع في رغبتنا من المعرفة مكانة المغرب كدولة حق و قانون في تحقيقه للأمن القضائي و القانوني . 

+ دوافع البحث الموضوعية:

1)حداثة موضوع ؛

2)محاولة الوصول إلى أبعد نقطة ممكنة ترتبط بالموضوع؛

3)ندرة وقلة البحوث عموما التي تناولت هذا الموضوع ؛

فإن انخراط في أي مشروع علمي في القانون ، كما في غيره من الحقول المعرفية يفرض على الباحث اعتماد منهج يسير عليه من أجل التفكيك موضوع البحث و تحليله ، و منهج البحث الذي سنعتمده في هذا الاطار يقوم على المزاوجة بين الجانب الوصفي كضرورة يقتضيها الباحث و أسلوب التحليلي الذي يعتمد على جمع المعلومات و اعادة تفكيكها و بيان القواعد المرتبطة بموضوع البحث بقصد تحليلها لاستخلاص أهم النتائج و الأحكام .

فلكل موضوع اشكالية جوهرية تكتنفه فلعل اشکاليتنا تبرز من خلال عنوان بحثنا المتواضع وعليه فإلى أي حد يمكننا القول على أن المادة التاسعة من القانون المالية العمومية قد وفقت بين كل من الأمن القانوني و القضائي ؟

وعلى ضوء الاشكالية نسير بخطى ثابتة بمعية التقسيم الذي انتهجناه مسايرة للركب الأكاديمي و العلمي الآتي ذكره :

- الفصل الأول : المادة التاسعة من القانون رقم 70.19بين ضمانات التشريعية و الأمن القانوني.

- الفصل الثاني : الوقاية من المنازعات مدخل لخلق الأمن القضائي.

نقطة فريدة : أهم النقاشات التي عرفها المادة التاسعة من قانون المالية العمومية القانون 70.19 سنة 2020

سنتناول في هذه النقطة الذي خصصنها تجاوزا للمنهجية الأكاديمية و ذلك للضرورة الملحة ، بل اعتبرها توطئة للإحاطة بالموضوع من جهة و بيان المنهج الذي يتجاذب هذه المادة و ذلك ما عرفته من أخد و عطاء في الآونة الأخيرة بين مؤيد

لأحكامها نظرا لما تحوطه من حماية لمجموعة من الهياكل الذي ستناقشها في هذه الفقرة و آخرون ينظرون إلى أحكامها أنها درب من دروب التجاوزات الدستورية و الحقوقية و منه، فكان علينا أن نناقش هذه الاتجاهات التي خاضتها هذه المادة من خلال مباشرة (أولا) الاتجاه المؤيد لأحكام المادة التاسعة من قانون المالية العمومية و ذلك للعديد من الأسباب الذي سنأخذها بشكل التفصيل حسب الاستطاعة في حين سنتناول الاتجاه المنكر الأحكام هذه المادة (ثانيا) ملخصين أهم الدفوع التي يقدمها على أن يتبين لنا في أخر البحث هل توفق أصحاب هذه الاتجاهات فيما أدلو به ام أن الأمر على غير ذلك؟

أولا: الاتجاه المؤيد لأحكام المادة التاسعة من قانون 70.19 بمثابة قانون المالية لسنة2020

أنصار هذا الاتجاه يذهبون إلى أن أحكام هذه المادة جاءت حفاظا لاستمرارية سير العادي للمرفق العمومي و ذلك للنهج حول التوازن بين مبدئين لا يمكن الاستغناء عنهما سواء من الناحية الواقعية أو القانونية و يقصد بذلك :مبدأ تنفيذ الأحكام القضائية و مبدأ السير العادي للمرفق العام أو بلغة أخرى حماية السير العادي للمرفق العام و ضمان هيبة الأحكام القضائية من خلال تنفيذها و ذلك لما تواجهه الدولة اليوم من صعوبات تمنعها عن تنفيد الأحكام الصادرة في مواجهتها-نسبيا- منها ما هو متعلق بنقص في الاعتمادات المخصص لهذا الغرض (ب) من جهة منه ما هو مرتبط بأسباب تتعلق بالحفاظ على الأمن و النظام العام (أ) من جهة أخرى. 

أ- النظام العام كسبب موضوعي يمنع الدولة - الادارة -عن التنفيذ:

كما لا يخفى على دارس القانون أن معير النظام العام يعد مفهوم واسعا و غير محدد من طرف التشريع او الفقه و حتى القضاء مما يجعل منه وسيلة يدفع بها أمام كل تهديد يصيب المصلحة و هو على انواع البنيات الموجودة في الساحة فنتحدث عن النظام العام الاجتماعي و الاقتصادي و الاداري الذي جمع فيه بعض الفقه ثلاثة عناصر متمثلة في الأمن العام و السكينة العامة و الصحة العامة، وعلى اعتبار أن من أهم أسباب وجود الدولة (الادارة) هو المحافظة على النظام العام ، فإذا كان تنفيذ الحكم القضائي من شأنه المساس بالأمن العام ووقوع خلل بالمصالح الادارية والمرفق العام فإنه لا يتم تنفيذه بعبارة أخرى فبالرغم من كون الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به تعتبر أصلا من أصول القانون التي تهدف إلى تحقيق الطمأنينة العامة والاستقرار في الحقوق والروابط الاجتماعية الأمن القضائي، إلا أنه في حالة وجود ظروف معينة تستوجب الحفاظ على سلامة الدولة ومن شأن التنفيذ إذا كان النظام العام عرضة للاضطراب والتوتر ، يحق للسلطة التنفيذية تأخير أو تعليق تنفيذ القرار ، وهنا تعلو المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. 

ب - بنقص الاعتمادات باب من صعوبات التنفيذ:

فأصحاب التيار المؤيد المادة المذكورة يدفع بعدم وجود اعتمادات كافية لسد باب التعويضات التي تطال الدولة و يذهبون على أنه لا يرجع الأمر إلى تجاهل الدولة لمبدأ حجية الشيء المقضي به وإنما إلى وجود صعوبات تعترضها أثناء تنفيذ تلك الأحكام و أهمها وأكثرها نقص الاعتمادات المالية. فإن نقص الاعتمادات المالية يتعلق أساسا بمبدأ سنوية الميزانية المعمول به في المغرب، ومعناه أنه میزانية مؤسسات الدولة يتم تخصيصها ، وبالتالي فإنه عند صدور حكم يقضي على الدولة بأداء مبلغ مالي فإن تنفيذ هذا الحكم يصطدم بغياب اعتمادات مخصصة لهذا الغرض داخل الميزانية، ويتم تبعا لذلك انتظار برمجة الاعتمادات المناسبة خلال السنة المالية الموالية، بإستثناء بعض المؤسسات القليلة التي تنهج سياسة استباقية وتعمل على برمجة الاعتمادات في الباب المخصصة بمزانيتها السنوية لتنفيذ الأحكام القضائية و ذلك بشكل مسبق.

ثانيا: الاتجاه الرافض لأحكام المادة التاسعة من قانون 70.19 بمثابة قانون المالية لسنة2020

إذا كان مناصرو المذهب الأول يدفعون بالصعوبات التي تعاني منها الدولة كما سبقت الاشارة اليها فإن أصحاب هذا التيار يدفعون بمبدأ ملاءة الذمة المالية للدولة من جهة (أ) و احترام القانون و الدستور من جهة ثانية (ب)
أ-مبدأ ملاءة الذمة المالية للدولة:

و يقصد بهذا المبدأ بكل خلاصة هو أن الدولة تتوفر على موارد تكفيها لسد حاجياتها عملا بتوازن بين الموارد و التكاليف ، فلا يمكن للشخص كالدولة أن تدفع بعدم وجود اعتمادات كافية للسد التعويضات المثارة أمام القضاء

ففي كثير من الحالات التي تكون فيها أحكام قضائية تتعلق بالتعويض أو فرض غرامة مالية، حيث ذهب أصحاب هذا التوجه إلى القول أن الدولة تقوم بالإختباء وراء انعدام أو قلة الموارد المالية الكفيلة بتنفيذ الحكم القضائي . ولا بد من الإشارة إلى أن هذا المبرر المتمثل في نقص الاعتمادات المالية اعتبره جانب من القضاء بأنه شطط في استعمال السلطة و يستوجب التعويض بالاضافة إلى أن الدولة يفترض فيها ملائة الذمة كما بينا سابقا.

وهذا ما يحاول المشرع تجاوزه من خلال مشروع قانون المسطرة المدنية الذي ينص فيه بشكل صريح على إلزامية الإدارة بضرورة تخصيص هذه الاعتمادات وتنفيذ الحكم داخل أجل 6 أشهر من تاريخ المصادقة على الميزانية في السنة الموالية.

في حين ذهب المشرع الفرنسي بمنهجية سليمة لحله هذا الإشكال، تدخل بإصدار القانون 80.539الذي يلزم الإدارة بتوفير الاعتماد من أجل تنفيذ الحكم القضائي في أجل محدد أقصاه 4 أشهر من الحكم الحائز لقوة الشيء المقضي به.
ب- الشرعية و المادة التاسعة باب لدفع أحكامها:

فمن خلال هذه النقطة ستباشر موقف أهم رافضي أحكام المادة التاسعة من قانون70.19 المتعلق بقانون المالية لسنة 2020 ، و المتمثل في نادي قضاة المغرب باعتباره تشكيلة مهمة تعكس النظرة القضائية للمادة المشار اليها سالفا ، بل كذلك يلزمهم الميثاق الأخلاقي الذي يبين منهجهم في تعامل مع هذه القضايا الراهنة و كان من بينها تلك المرتبطة، أساسا، بمقتضيات المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020.

وبعد المداولة سبق أن عقدها النادي المذكور قد قرر إصدار البيان التالي :

"1. يؤكد "نادي قضاة المغرب" ، و ما تضمنته مقتضيات المادة 9 من مشروع قانون المالية لسنة 2020 من حظز التنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من أجل مواجهة الدولة وكذلك الجماعات الترابية عن طريق الحجز، يشكل مسا واضحا بمبدأ فصل السلط واستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما هو منصوص عليه في الفصلين 1 و107 من الدستور.

2. يعتبر مقتضيات المادة المذكورة آلية تشريعية لإفراغ الأحكام والمقررات القضائية الصادرة في مواجهة الدولة والجماعات الترابية من محتواها وإلزاميتها، وذلك خلافا للفقرة الأولى من الفصل 126 من الدستور، الذي ينص على: أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع”، دون تمييز بين أطراف الدعاوى المتعلقة بها.

3. يسجل، أن المقتضيات المذكورة، وفضلا عن مخالفتها لأحكام الدستور، فإنها، ومن جهة أخرى، مخالفة للتوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت توصي بضرورة وأهمية تنفيذ المقررات القضائية وجريان مفعولها على المحكوم ضدهم، بما في ذلك الإدارة وكل مرافق الدولة، في إطار المبدأ الدستوري القاضي بمساواة الجميع أمام القانون والقضاء.

وفي الختام، يدعو "نادي قضاة المغرب" السلطة التشريعية إلى إعادة النظر في مقتضیات المادة التاسعة أعلاه وذلك أثناء مناقشة هذه المادة) ، لما تشكله من:

- تراجع واضح عن المكتسبات الحقوقية الدستورية، ومس صارخ باختيارات المجتمع المغربي، ملكا وشعبا، في بناء مقومات دولة الحق والقانون.
- دعوة الإدارة إلى إعطاء القدوة في تنفيذ المقررات القضائية واحترام مقتضياتها." بل لا يقتصر الأمر على ذلك فقط حيث ذهب كذلك السادة المحامون و نقباء إلى نفس ما ذهب إليه الراي المذكور.

لتحميل بحث الإجازة بعنوان: المادة 9 من قانون المالية العمومية بين الأمن القانوني والقضائي(PDF)- المرجو الضغط علي: (هنا)





إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال