بسم الله الرحمن الرحيم
بحث لنيل الإجازة بعنوان:
الحق في الكراء كعنصر من عناصر الأصل التجاري
مقدمة:
الكراء عقد وهو توافق إرادة المكري والمكتري على أن يتحلى الأول عن منفعة شيئ ما، قد يكون منقولا وقد يكون عقارا، مقابل مبلغ مالي يؤدي عادة من الثاني الأول بكيفية دورية ومن مظاهر الكراء قديما وحديثا، أنه ظاهرة قانونية تساهم في تأطير أوضاع إجتماعية أحيانا وفي تأطير أوضاع إقتصادية وأحيانا أخرى.فمن ناحية الاجتماعية، فإن عقد الكراء قد يساعد في توفير السكن لمجموعة لا بأس بها من أفرد المجتمع وقد يساعد في توفير محلات لممارسة أنشطة مهنية تلعب دورا إنسانيا أو قانونيا لا يخفى على أي مهتم خاصة عندما يتعلق الأمر بمهنة خاصة ومتميزة كالطب و المحاماة على سبيل المثال
ومن ناحية الاقتصادية فإن عقد الكراء قد يساعد على خلق ظروف ملائمة لممارسة أنشطة صناعية أو تجارية أو حرفية يكون لها أحسن الوقع على النواحي المرتبطة بها داخل المجتمع.
وما يميز عقد الكراء التجاري عن العقود الأخرى هو أنه ينتج عنه حقا مميزا لصالح المكتري الا وهو الحق في الكراء الذي اعتبره المشرع المغربي عنصرا من عناصر الأصل التجاري المعنوية حسب المادة 80 من م.ت. وتحكمه شروط دقيقة يصعب حصرها من خلال تعريف منضبطة
ولقد كان الكراء التجاري يخضع لقوانين موروثة عن المستعمر الفرنسي، إذ بعد ما كانت خاضعة للفقه الإسلامي تم إخضاعها للقانون الإلتزامات والعقود لسنة 1913. فكانت الفصول من 627 إلى 722 تعتبر بمثابة القواعد المنظمة لعقود الأكرية سواء المدنية أو التجارية غير أنه بعد مرور 27 سنة كانت هذه القواعد عن ضبط وتنظيم عقود الكراء خاصة التجارية، ليتم إصدار ظهير 1930 الذي يعد أول ظهير ينظم كراء المحلات المعدة الممارسة التجارة والصناعة والحرف لكن هو الأخر بعد مرور 25 سنة دعت الحاجة إلى صدور ظهير 24 ماي 1955 الذي توخي من خلاله المشرع المغربي الحد من الأثر السلبي لعدم استقرار نشاط الأصل التجاري وتأثيره على الحياة الاقتصادية بالمغرب.
هذا الأخير سرعان ما أسفر عنه مجموعة من النواقص والسلبيات منها ما يتعلق بالنظر إلى المخاطر التي كانت تطبع مساطر، وما تتسم به من تعقد الشيئ الذي تنتج عنه نوع من التضارب في التأويل سواء من حيث الإجتهاد القضائي أو الفقهي مما كان يؤدي إلى الإخلال بالتوازن بين حقوق المكري والمكتري و غيرها من الآثار السلبية.
في هذا السياق كان لا بد من تدخل لنسخ ظهير 24 ماي 1955 حتى لا يكون القانون حاجزا أمام تطور الميدان التجاري، الأمر الذي تحقق بصدور القانون رقم 349.16، کاستجابة لمناداة مجموعة من الفاعلين سواء على مستوى القانوني أو العملي أو الاقتصادي بالتعديل، فبعدما ظل مشروع القانون المذكور أعلاه تحت قبة البرلمان لمدة ثمان سنوات، حيث تم نسخ مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 القديم وكذلك مقتضيات المادة 112 من القانون رقم 15.95 4 المتعلق بمدونة التجارة ليتم الشروع في تطبيق أحكامه بعد انصرام الفقرة الإنتقالية و قد جاء القانون 49.16 لإيجاد توازن بين مصالح وحقوق طرفي عقد الكراء التجاري لتحقيق الاستقرار و حماية الملكية العقارية للمكري من جهة و الحفاظ على الأصل التجاري للمكتري من جهة ثانية بالإضافة للحد من المساوئ التي أفرزها ظ 1955 وكذا تكريس مجموعة من المبادئ التي استقر عليها القضاء المغربي، وهذا كله يندرج تحت لواء تحقيق الأمن القانوني و القضائي
التعريف بالموضوع:
إن التعريف بموضوعنا يقضي منا بيان المقصود بكلمة الكراء لغة واصطلاحا ثم المقصود بعقد الكراء في ظل قانون 49.16 وعن المقصود بالأصل التجاري ثم التعريف الفقهي للحق في الكراء وذلك في غياب التعريف التشريعي:الكراء لغة: مصدر کاري اکريت الدار أي أجرتها.
وقال ابن منصور: أجر المستأجر کراه مکاره وكراء
اصطلاحا: أجرة الشيئ، مكنه من الإنتفاع منه مقابل أجرة معينة اكراه إياه.
ويعد عقد الكراء من العقود المسماة التي عني المشرع بتنظيم أحكامها، وقد عرفه المشرع بمقتضى الفصل 672 من ظهير ل.ع والذي نص على إن الكراء "عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه الأخر منفعة منقول أو عقار خلال مدة معينة مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الأخر بدفعها له"
إن المشرع المغربي لم يعرف الحق في الكراء لا في ظهير ولا في مدونة التجارة ولا في قانون 49.16 حيث اكتفى في المادة 79 من م.ت بتعريف الأصل التجاري حيث اعتبره"مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة والمخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية" أما في المادة 80 من نفس المدونة فنصت على أنه "يشمل الأصل التجاري
وجوبا على الزبناء وسمعة تجارية، ويشمل أيضا الأموال الأخرى الضرورية لإستغلال الأصل كالإسم التجاري والشعار والحق في الكراء والأثاث التجاري والبضائع والمعدات والأدوات وبراءة الإختراع والرخص وعلامات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم والنماذج الصناعية وبصفة عامة كل حقوق الملكية الصناعية و الأدبية والفنية الملحقة بالتاجر" حيث ركز المشرع على أهمية الحق في الكراء، واعتبره مكونا أساسيا لا بد من وجوده في العمليات الواردة على الأصل التجاري. إلا أن هذا لم يعد عائقا أمام الفقه الذي حاول سد ثغرة عدم تعريف المشرع للحق في الكراء.
حيث عرفه الأستاذ عبد العزيز توفيق "الحق الممنوح للمالك الأصل التجاري في تجديد عقد الكراء بعد انتهاء مدة العقدة الأولى أو الإستمرار في الكراء في حالة عدم تجديد مدة العقدة المنتهية والتنازل عن هذا الحق في حالة بيع الأصل التجاري بمجموعه و تحویل تواصيل الكراء إلى إسم مشتريه ولو بدون إرادة مالك العقار المؤسس فيه الأصل التجاري وكذلك التعويض عن رفض المالك تجديد العقد7" وعرف بعض المؤلفين الملك التجاري أو الملكية العقارية بأنها هي حق تجديد الكراء وفقدان الحق في الكراء.
أهمية الموضوع:
يعتبر الحق في الكراء من أهم عناصر الأصل التجاري إذ يعتبر التخلي عن الحق في الكراء تخليا عن الأصل التجاري برمته، فهو ذلك العنصر الجوهري الذي يربط الأصل التجاري كمنقول معنوي بالعقار الذي يتأسس عليه هذا الأصل بجميع عناصره الأخرى المادية والمعنويةولا يمكن الحديث عن أهمية الحق في الكراء بإعتباره ضمانة الاستقرار الأصل التجاري إلا برصد المقتضيات القانونية الضامنة لهذه الحماية للوقوف على مكان الضعف والقوة في قانون 49.16 وكذا بالنسبة للتطبيقات العملية القضائية له اعتبارا لضرورة الموازنة بين نوق المكري والمكتري، أيضا لتفادي عزوف مالكي العقارات على كرائها وبالتالي تقليص دائرة الإستثمار الشيء الذي يقلب الأهداف المرسومة لحماية الأصل التجاري رأس على عقب.
أهمية اقتصادية
يعتبر الحق في الكراء عنصرا من أهم العناصر المكونة للأصل التجاري إذ يشكل دعامة أساسية الإستقرار واستمرار الأصل التجاري كمقاولة تجارية وصناعية وحرفية وكمشروع اقتصادي يساهم في ازدهار الاقتصاد.أهمية اجتماعية
تبرز أهمية الموضوع الاجتماعية في الحفاظ على استقرار استغلال الأصل التجاري الذي يعد الحق في الكراء عنصر جوهري فيه على النحو الذي يكفل للتاجر ممارسة تجارته يكل اطمئنان دون مباغتته بالإفراغ من طرف المكري، ولا شك أن مثل هذا التصرف سيساهم في انتشار الخوف والترقب بين فئة عريضة من التجار، وهو ما سيؤثر بالسلب طبعا على المجتمع.دوافع اختيار الموضوع:
إن الأهمية التي يكتسبها الحق في الكراء في النشاط الاقتصادي والحياة الاجتماعية، كانت دافعا لي للبحث عن موضوع يثير العديد من الإشكالات أمام القضاء والمرتبطة أساسا بإفراغ المحلات التجارية وما يترتب عن ذلك من الإشكالات.هذا بالإضافة إلى الدافع المتعلق بالثغرات والصعوبات التي أصبح يعاني منها ظهير 24 ماي 1955 في ظل القوانين الجديدة المحاطة به ومنها قانون 49.16 الذي حل محله ومدونة التجارة والقانون البنكي... إذ يعتبر ظهير 1955 بمثابة القاعدة الأساس لتحريك جميع القوانين المتعلقة بالإستثمار والإقتصاد وذلك حينما يلجا المستثمر إلى إبرام عقد كراء عقار من الأجل الإستثمار فيه.
مما يجعل هذا الموضوع ذات صلة وثيقة بالتخصص العلمي الذي سوف أتوجه إليه انشاء الله تعالى، وأتمنى أن أكون متوفقا في ذلك، هذا ناهيك عن المقاولة بشكل عام التي القلب النابض للمنظومة الاقتصادية.
الصعوبات:
إن صعوبة تناول أي موضوع تكمن أساسا في انطلاقته وهو ما وجهته خلال بحثي عن تقسيم مناسب للإشكاليات التي يطرحها هذا الموضوع، بالإضافة إلى قلة المراجع المتخصصة منها العامة والخاصة في هذا الموضوع، وبسبب أزمة جائحة كرونا كانت تشكل لنا عائق أمامنا للبحث عن المراجع والأحكام والقرارات.حيث كنت أروم في البداية تقسيم الإشكاليات من خلال عناوين تعتمد أساسا على القانون الذي يعالج كل إشكالية على حدة، غير أن تشتت النصوص المنظمة بين قانون 49.16 وظ24 ماي 1955 ومدونة التجارة و ق.ل.ع.
وقانون الإلتزامات والعقود هذا التقسيم، وهو ما جعلني أعرب عن عدة تقسيمات إلى أن توصلت إلى التقسيم النهائي.
الإشكالية التي يطرحها الموضوع:
إن الإشكالية المحورية لهذا الموضوع تكمن في مدى الحماية التي يقررها قانون 49.16 للحق في الكراء وكيفية تجسيد القضاء لهذه الحماية بمناسبة تطبيقه لهذا القانون.ونتفرع عن هذه الإشكالية، إشكالات فرعية نوردها كالآتي:
- هل حقق قانون 49.16 هدف المشرع الرامي إلى استقرار المؤسسات التجارية وحمايتها أم أن نية المشرع لم تتحقق؟
- هل استطاع تحقيق التوازن بين المكري مالك العقار والمكتري صاحب الأصل التجاري؟ أم أنه حقق مصالح أحدهما عن الأضر؟
- وهل نجح في إحالة الحق في الكراء بالحماية اللازمة للحق في الكراء بمناسبة تطبيقه للقانون 49.16 أم أنه متأرجح ومتضارب في قرارته وبعيد كل البعد عن الحماية المطلوبة؟
مناهج البحث:
اقتضى هذا الموضوع اعتماد مقاربة استقرائية تحليلية لمعالجة الإشكالات التي يثيرها، وذلك دون إغفال المقاربة الوصفية والمقاربة لإبراز مكان الثغرات والنواقص في التشريع الوطني.خطة البحث:
المعالجة إشكاليات الموضوع ارتأينا افراد الفصل الأول للحديث عن الإطار القانوني للحق في الكراء لبيان ماهية الحق في الكراء ونطاقه وشروط اكتسابه، ثم الإنتقال إلى الفصل الثاني للحديث عن الحماية القانونية للحق في الكراء التجاري من خلال الحق في التجديد وكذا مصير عنصر الحق في الكراء التجاري، وبناء عليه فإن خطة البحث هي:-الفصل الأول: الإطار القانوني للحق في الكراء التجاري
-الفصل الثاني: الحماية القانونية للحق في الكراء التجاري