الأنظمة الدستورية المقارنة (النظام السياسي الدستوري المغربي وأنظمة أخرى معاصرة)


الأنظمة الدستورية المقارنة

(النظام السياسي الدستوري المغربي وأنظمة أخرى معاصرة)


تقدیم:

توخينا من خلال هذا المؤلف، أن نقدم دراسة شمولية عن مجموعة من الأنظمة السياسية والدستورية التي تشكل نماذج لأنظمة دستورية مشابهة تتوزع في مختلف بقاع العالم.

إن الاقتصار على الأنظمة الدستورية التي نخصص لها هذا المؤلف، ينطلق بالأساس من كون الحيز الزمني المخصص لمادة الأنظمة الدستورية المقارنة، لا يسمح بدراسة كل الأنظمة في مجال القانون الدستوري المقارن.

من جهة أخرى، وبالرغم من وجود أنظمة دستورية مشابهة، فإن الأنظمة التي تشكل موضوع هذا الدرس تتميز بعراقتها، حيث إنها كانت سباقة في وضع الأسس التي أصبحت لاحقا من ركائز كل الأنظمة التي اختارت النظام الديمقراطي كإطار للحكم.

نقدم هذا المؤلف كإضافة إلى مؤلفات عديدة ومتنوعة في نفس المجال، والتي لا ندعي أنه سيعوضها أو يدفع الطالبات والطلبة إلى الاستغناء عنها. بل نعتبر أن هذا العمل المتواضع يمكن أن يدفعهم إلى المزيد من البحث والانفتاح على المقاربات المختلفة للباحثين في مجال القانون الدستوري بصفة عامة والأنظمة الدستورية بصفة خاصة.

لقد حرصنا ونحن نهيئ هذا المطبوع على اعتماد مقاربة لا تتوقف عند دراسة المؤسسات الحالية، بل تتجاوز ذلك إلى توضيح الجذور التاريخية التي ساهمت في أن تأخذ الأنظمة السياسية، موضوع الدراسة شكلها النهائي الحالي انطلاقا من قناعتنا بأن النظام السياسي ليس إلا عنصرا في مجموعة أوسع تشمل بالإضافة إلى المؤسسات، البنيات السوسيو- اقتصادية والتقاليد التاريخية والقيم وبأن ذلك سيمكن الطالبات والطلبة وكل المهتمين بمجال الأنظمة السياسية والدستورية من الإحاطة بالمبادئ التي تؤطر هذه الأنظمة. أتمنى أن يساعد هذا العمل المتواضع الباحثين بصفة عامة والطالبات والطلبة الذين أتشرف وأعتز بتدريسهم، على الانفتاح على تجارب ساهمت في تكريس مبادئ حقوق الإنسان والاعتراف للمواطن بحقوق وحريات كان مجرد التفكير فيها مرفوضا من طرف الحاكمين.
مقدمة عامة:܂

مفهوم النظام السياسي الدستوري مفهوم معقد، يتطلب تحديده اللجوء إلى استعمال قواعد تتعلق بتنظيم وسير مؤسسات ينظمها الدستور. ولتوضيح ذلك يلزم تحديد مفهوم النظام السياسي، ثم التوقف عند مسألة تصنيف الأنظمة السياسية الدستورية من طرف فقهاء القانون الدستوري و علم السياسة.

I- مفهوم النظام السياسي

يمكن تعريف النظام السياسي Régime politique انطلاقا من العلاقات التي تنشأ بين المؤسسات السياسية داخل هذا النظام. فهو بالنسبة للبعض " شكل من الحكم في دولة معينة من خلال إعتماد مفهوم معين للسيادة والمبادئ التي تؤطره". ويمكن تعريفه أيضا بأنه مجموع المؤسسات السياسية داخل نظام اجتماعي معين، كما يتم تعريفه بأنه" مجموع عناصر ذات طبيعة إيديولوجية، مؤسساتية واجتماعية تساهم في تشكل الحكم الدولة معينة في فترة محددة "

كانت النظم الدستورية الدستورية أو السياسية تهتم حتى وقت قريب بدراسة المؤسسات الحكومية ، أي المؤسسات التي أنشأها الدستور والنصوص المكملة له.. فالدراسة كانت تقتصر إذن على أشكال الحكومات التي تمارس السلطة في المجتمعات الإنسانية، وتتمحور بالأساس حول دراسة وتحديد شكل الدولة ونوع الحكومة، دون أن تهتم بالمجالات التي تتعلق بنشاط الدولة وكذا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لهذا النشاط

هذا التصور الشكلي لم يختف اليوم، غير أنه لم يعد يشكل إلا عنصرا ضمن عناصر أخرى في تعريف النظام أو النسق السياسي.

إن النظام السياسي بالنسبة للبعض، يعتبر مرادفا للنسق السياسي، فكل منهما يدل على مجموعة متناسقة من المؤسسات السياسية التي تكون بدورها نسقا فرعيا سياسيا sous systeme لنظام إجتماعي، في حين يرى آخرون أن النسق السياسي يدل على مجموعة أوسع من مصطلح النظام السياسي، فهم يعتبرون أن النسق السياسي ليس فقط تحليلا للمؤسسات السياسية وتنظيمها المتناسق في نظام سياسي، بل هو تحليل للعلاقات بين هذا النظام وكل العناصر الأخرى للنسق الاجتماعي : اقتصادية وثقافية وإيديولوجية وتاريخية». ولأن النظام السياسي ليس أكثر من مجموعة من المؤسسات السياسية المتماسكة ، فهو أيضًا عنصر واحد فقط من كل أكبر ، والذي يتضمن ، بالإضافة إلى المؤسسات السياسية ، الهياكل الاجتماعية. - الاقتصادية. والتقاليد التاريخية والقيم إلخ...، هذه المجموعة الأوسع هي التي تشكل النسق السياسي.systeme politique

والواقع أن المقاربة القانونية - الدستورية، رغم الانتقادات التي وجهت إليها قد أسهمت كثيرا في إغناء الدراسات المتعلقة بتحديد شكل الدولة ووظائفها القانونية وأنواع الحكومات وكيفية إسناد السلطة وكذا ممارستها، لذلك سيكون من العبث إهمالها ، تمامًا كما أن الرضا عنها يعبر عن نوع من العزلة الفكرية.

إن الأنظمة السياسية الحديثة، لم تعد تقيد نشاط الدولة في الحدود الضيقة التقليدية التي كانت تجعل من النظام السياسي مرادفا لشكل الحكومة. هكذا ظهرت نظريات جديدة في علم السياسة لا تستند إلى الجانب المؤسساتي أو الشكلي بقدر ما تعتمد على مج/الات نشاطها، وأصبح شكل الحكومة مجرد عنصر من بين عناصر أخرى بعد أن كان الأساس الذي يحدد النظام السياسية ، أي أن النسق السياسي لا يعيش معزولا عن محيطه بل يخضع لتأثيرات متبادلة مع الأنساق الاجتماعية الأخر

II- تصنيف الأنظمة الدستورية السياسية

يتحدد النظام السياسي بشكل عام عن طريق العلاقات التي تنشأ بين المؤسسات السياسية، ذلك أن الأنظمة السياسية تشترك في عدد من الخصائص تسمح بوضع تصنيفات لهذه الأنظمة، دون أن يعني ذلك قبولها من طرف الجميع. وانطلاقا من اعتماد خاصية أو أخرى تختلف معايير التصنيف، حيث يمكن أن نصنفها إلى أنظمة ملكية أو جمهورية، نظام الحزب الوحيد ونظام التعددية الحزبية، نظام مارکسي ونظام ليبرالي، نظام ديمقراطي ونظام دكتاتوري، نظام برلماني ونظام رئاسي إلى غير ذلك من التصنيفات.

إذا وضعنا جانبا الأنظمة التي لا تعتمد مبدأ فصل السلط (الأنظمة الدكتاتورية)، فإننا سنجد أن التصنيف الذي أخذ به معظم فقهاء القانون الدستوري في دراساتهم للأنظمة الديمقراطية، التي تحترم مبدأ فصل السلط، رغم أنه لا يغطي إلا مظهرا جزئيا من الأنظمة الدستورية، ينطلق من نوعية العلاقات القائمة بين السلطات العامة فيما بينها، وبشكل خاص بين البرلمان والحكومة

هناك أنظمة تعتمد مبدأ الفصل المرن للسلط، والذي يتجلى في أن ممارسة السلطة التشريعية والتنفيذية لاختصاصاتها المحددة لا يمنع من وجود تأثير متبادل بينهما، وذلك عن طريق مراقبة العمل الحكومي التي قد تذهب إلى إمكانية إسقاط الحكومة، التي تملك من جهتها إمكانية المشاركة في سن القوانين وطرح مسألة الثقة التي قد تصل إلى إمكانية حل البرلمان. هذا الشكل هو ما يعرف بالنظام البرلماني.

وهناك بالمقابل أنظمة تعتمد مبدأ الفصل الجامد للسلط، والذي يتجلى في ممارسة كل سلطة لاختصاصاتها المحددة داخل المجال الخاص بها، دون القدرة على التأثير المباشر على السلط الأخرى، وذلك على الأقل من الناحية النظرية، وهو ما يسمى النظام الرئاسي.

إلى جانب هذين النظامين، هناك نظام يعتمد مجموعة من الخصائص الأساسية في النظام البرلماني، لكنه يأخذ أيضا ببعض خصائص النظام الرئاسي، إنه النظام الذي يطلق عليه النظام شبه الرئاسي.

ويعود الاختلاف الجوهري بين النظام البرلماني والنظام شبه الرئاسي أساسا، إلى الطريقة التي يتم بها تعيين رئيس الدولة. هذا الأخير الذي قد يكون في النظام البرلماني ملكا، كما قد يكون رئيسا منتخبا لكن من طرف عدد محدود من الناخبين، بينما يتم انتخابه في النظام شبه الرئاسي بواسطة الاقتراع العام، مما يعطي للرئيس وزنا أكبر وسلطات أوسع.

وأخيرا هناك نظام الجمعية أو ما يسمى بالنظام المجلسي Régime d'assemblée الذي يقوم على أساس عدم المساواة بين السلطتين، حيث توجد السلطة التنفيذية في حالة تبعية للسلطة التشريعية، باعتبار أن هذه الأخيرة هي التي تمثل الأمة وتعبر عن إرادتها.

غير أن هذا الشكل من الأنظمة لم يعد قائما (باستثناء حالة سويسرا)، بالإضافة إلى کونه نادرا في تاريخ الأنظمة الدستورية حيث طبق أساسا في فرنسا بعد إعلان الجمهورية من سنة 1792 إلى 1795 (21 شتنبر).

وسوف يتمحور موضوع هذه الدراسة أولا على دراسة النظام السياسي الدستوري بالمغرب (الفصل الأول) وذلك قبل تناول مجموعة من الأنظمة الدستورية تشكل نماذج الأنظمة قائمة في مختلف قارات العالم (الفصل الثاني).

- لتحميل تتمة موضع البحث حول الأنظمة الدستورية المقارنة المرجو الضغط علي:- هنا




إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال