محاضرات في القانون الاجتماعي
السداسي الثالث
المقدمة العامة:
تعريف قانون الشغل
إن أول تسمية أطلقتها الدراسات الأكاديمية في فرنسا على هذا الفرع من فروع القانون هي: التشريع الصناعي، وقد استمدت هاته التسمية وجودها من الواقع السائد آنذاك، و المتمثل في نشأة الصناعة الآلية و نهضتها، وتكتل الطبقة الشغيلة في تجمعات.هاته الأخيرة التي سوف تصبح فيما بعد قوة ضغط، وذلك نتيجة الثورة الصناعية، وهو ما دفع بالدولة إلى التدخل وفرض نظام للشغل في الصناعة عرف لمدة طويلة ب:" التشريع الصناعي" إلا أن التنظيم لم يقف عند العمل الصناعي، بل أخد يمتد تدريجيا إلى نشاطات أخرى كالتجارة و المهن الحرة والفلاحة...... و بذلك لم تعد تسمية " التشريع الصناعي" تتسع للدلالة على هذا الفرع من فروع القانون، فحلت محل تسمية " التشريع الصناعي"تسمية " قانون العمل أو الشغل" للدلالة على أن موضوع هذا الفرع من فروع القانون، هو مجموع القواعد المنظمة للعلاقات التي تنشأ عن كل شغل مأجور أيا كان نوعه. ففي هذا الاتجاه كانت تسمية " قانون العمل أو الشغل" كافية ومناسبة و عمرت طويلا، وما زالت هي المستعملة في جل الدول العربية.
إلا أن هاته التسمية قد أصبحت بدورها قاصرة نتيجة التطور الهائل الذي يعرفه هذا الفرع من فروع القانون، ذلك أن هذا القانون أصبح يهتم أكثر فأكثر إلى اهتمامه بالنزاعات ذات الطابع العمالي بالجوانب الاجتماعية للعامل و أسرته، وأحسن مثال على ذلك القواعد المتعلقة بالتعويض عن حوادث الشغل والأمراض المهنية، والقواعد المتعلقة بمختلف العطل المؤدى عنها الأجر، و مختلف الأحكام التي ترمي إلى حماية الجر. و لأجل ذلك فضل البعض الوقوف عند مصطلح قانون الشغل، وهو المصطلح الذي تكرسه الدراسات الحقوقية في فرنسا والمغرب على الرغم مما يتصف به بدوره من إبهام، لأن جميع القوانين وكيفما كانت طبيعتها هي اجتماعية في جوهرها، بالإضافة إلى أن هذا المصطلح لا يحدد بدقة موضوع هذا الفرع من فروع القانون.
أهمية قانون الشغل
يكتسي قانون الشغل أهمية كبيرة تظهر بصفة خاصة من خلال المستويات التالية:
المستوى الاجتماعي: تبدو أهمية قانون الشغل على المستوى الاجتماعي متى أدركنا أنه يطبق على أكبر طوائف المجتمع عددا، حيث أن الجانب الأكبر من أفراد المجتمع يزاول عملا تابعا لحساب الغير، وتحت سلطته و إشرافه، هذا إلى جانب كون أحكام قانون الشغل تتعدى الفرد العامل لتعرف التطبيق بشأن أفراد أسرته، كأحكام التعويض عن حوادث الشغل و الأمراض المهنية، والأحكام المتعلقة بالضمان الاجتماعي، وهي كلها أمور تندرج في إطار ما يعرف بالأجر الاجتماعي، أي الحالة التي يتجاوز فيها الأجر دوره الاقتصادي و يمتد إلى دوره الاجتماعي .
وتعلق قانون الشغل على هذا النحو بالجانب الأكبر من أفراد المجتمع و أثره اليومي في حياتهم الفردية والعائلية، يظهر أهميته البالغة في ضمان الأمن الاجتماعي، إذ يعتبر في الواقع من أهم عوامل إقرار هذا الأمن، لأنه بتدخله المتزايد اليوم في شؤون العمل و ما يوفره خاصة للعمال من حماية كبيرة فعالة- يقضي على أسباب السخط و التذمر التي كانت تعتمل أول الأمر في صدور العمال، وهم يمثلون أغلبية الجماعة، ويقيم التوازن اللازم بين مصالح الأجراء و المشغلين، بما يشيع الأمن في الحياة الاجتماعية ويقضي على أكبر أسباب القلق و الاضطراب في المجتمع.
المستوى الاقتصادي: تبدو أهمية قانون الشغل على المستوى الاقتصادي في أثره البالغ على اقتصاد المجتمع، حيث أن قواعده تحمي الطبقة العاملة، وتكفل لها الحصول على أجورها وفقا لما يقرهىالقانون، مما يزيد في القوة الشرائية للعمال، و يزيد بالتالي من مستوى حركة الاستهلاك ومستوى حركة الانتاج داخل المجتمع، الشئ الذي ينعكس بدوره على مستوى الأسعار، وعلى الوضعية الاقتصادية للمشروعات. شرح.
ثم إن قانون الشغل يعد معطى أساسي في تشجيع الاستثمار الأجنبي خاصة عندما يكون هذا القانون قد وضع بكيفية محكمة، وواضحة من شأنها ضمان الأمن القانوني للمستثمر الأجنبي.
المستوى السياسي: تبدو أهمية قانون الشغل على المستوى السياسي من حيث أن الطبقة العمالية أصبحت قوة سياسية ضاغطة، يحاول كل رجال السياسة سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة من الوصول إلى أصواتها عن طريق وعود مغرية تهم تحسين أحوالها المادية و المعنوية، كما أن النقابات العمالية و هي في الأصل هيئات مهنية تهتم بالدفاع عن حقوق الطبقة العاملة أصبحت في الغالب مرتبطة بحزب سياسي معين تؤازره و تدافع عليه، ويؤازرها ويدافع عن برامجها، كما أنه في بعض البلدان قد تمكنت الطبقة العمالية من الوصول إلى تنظيمات راقية مكنتها من تولي السلطة بها أحيانا.
المميزات العامة للقانون الاجتماعي
يتميز قانون الشغل بعدة مميزات كما يلي:
حديث النشأة:
إن قانون الشغل هو قانون حديث النشأة، إذ لم يصبح متميزا عن القانون المدني إلا في النصف الثاني من القرن 19، ذلك أن النهضة الصناعية و الفكرية قد ساهمت بقسط وافر في ظهور قانون الشغل.
قانون توسعي
يتميز قانون الشغل بأنه قانون دائم التحرك و التوسع، فقد كان يطبق في البداية على العمال الذين يشتغلون في الصناعة،و على العمال الذين يقومون بأعمال يدوية فقط، لكن التطور الاقتصادي من جهة، ومرونة قانون الشغل من جهة أخرى جعلا هذا القانون يمتد لكي يطبق على العمل الفلاحي، و يطبق على فئات أخرى كالممثلين التجاريين، والصحافيين المهنيين، و على بعض مستخدمي المؤسسات العمومية و شبه العمومية التي تزاول نشاطا صناعيا أو تجاريا.
قانون آمر
إن تدخل الدولة المتصاعد في شؤون قانون الشغل حماية للطرف الضعيف بالدرجة الأولى كان من شأنه أن يؤدي حتما إلى تحلي هذا القانون بصفة القانون الآمر،إذ أن التدابير التي تتخذها الدولة في هذا الميدان لا يمكنها أن تنتج آثارها إذا كان للأفراد الحق في مخالفتها و التهرب من تطبيقها.
فكما نعلم جميعا أن المقصود من كون القاعدة القانونية قاعدة آمرة، أن تلك القاعدة لا تستطيع إرادة الأفراد أن تتفق على مخالفتها، فهي لذلك مطلقة التطبيق و خطابها إلى الأفراد مطلق أيضا، كما أنه لا يجوز لهم الاتفاق على استبعادها لأن سلطان إرادتهم منعدم إزاء هاته القواعد،بمعنى أنه لا يمكنهم الخروج على أحكامها بإرادتهم أو باتفاقات يعقدونها فيما بينهم. وذلك لكون أحكام هذا القانون تهدف معالجة المسائل الجوهرية التي يقوم عليها المجتمع، وكذلك هي قواعد قانون الشغل، فهي تهدف في جلها إلى حماية الطبقة العاملة، وتحديد حقوق والتزامات المشغلين والأجراء على السواء، وتدخل الدولة لضمان تحقيق هاته الأهداف كان من الضروري أن يؤدي إلى تحلي هذا القانون بصفة القانون الآمر التي تبرز بصفة خاصة سواء من خلال عقد الشغل الذي عرف حدا وتقييدا لمبدأ سلطان الإرادة في مختلف مراحل التعاقد، مرحلة إبرام العقد، ومرحلة سريانه، ومرحلة إنهائه أوانتهائه.
وتبوت الصفة الآمرة لهاته القواعد ، هو الذي يبرر ما يقرره المشرع من جزاء جنائي على مخالفتها إلى جانب الجزاء المدني، تأكيدا لما ما تقوم به هاته الصفة من توفير حماية أساسية للأجير، وإشعارا بالأهمية البالغة لهاته الحماية،إلا أنه تجدر الإشارة إليه هو أنه على الرغم من ذلك،فإنه يبيقى للصفة الآمرة لقانون الشغل في بعض الحالات مدلول خاص، فهي ذات مفهومنسبي و ليس مفهوم مطلق. فإذا كانت حماية الطرف الضعيف هي السبب الكامن وراء إسباغ الصفة الآمرة على قواعدهذا الفرع من فروع القانون، فإن ذلك يفيد جواز مخالفة قواعده كلما كانت هاته المخالفة في مصلحة هذا الطرف الضعيف، مثلا يمكن إنقاص ساعات العمل، لكن لا يمكن الرفع من الحد المقرر قانونا،و تجدر الإشارة إلى أن هناك قواعد أخرى ذات طابع تنظيمي أو إداري تتصل بجوهر النظام العام،و يكون وضعها من طرف المشرع لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية سامية، كالقواعد التي تحدد سنا معينة للتقاعد، والأحكام الخاصة بتشغيل الأجانب، التي يستحيل تصور السماح باتفاقات ترمي إلى مخالفتها.
استقلال تقنيات قانون الشغل
تظهر أهم تجليات استقلال قانون الشغل من خلال عدة قواعد نتطرق فيما يلي لأهمها.
استقلال في المصادر: فقانون الشغل -إلى جانب مصادر القانون المعروفة- يجد مصادره في بعض المصادر المهنية، ونخص بالذكر الأعراف المهنية، نظام المؤسسة، اتفاقيات الشغل الجماعية، وعقود الشغل الفردية.
مخالفة مبادئ أساسية في نظرية العقد: كما هوالحال بالنسبة لمخالفة مبدأ نسبية العقد: حيث نجد أن اتفاقيات الشغل الجماعية يمتد أثرها إلى أجراء غير ممثلين فيها، حتى و لو لم يكونوا أطرافا عند إبرام هذه الاتفاقيات.
وجود حماية خاصة بالأجر:حتى يستطيع أن يؤدي وظيفته المعيشية، مثل إقرار الحد الدنى للأجر، احترام دورية أداء الأجر،أداء الأجر، شكليات أداء الأجر: بطاقة الأداء، مسك دفتر الأداء.
الأهلية في قانون الشغل: أهلية التشغيل تتحدد في 15 سنة، والأهلية المدنية في 18 سنة، و قد تتوفر لدى المشغل أهلية تشغيل الأجراء منذ سن 12 سنة في حالة الترشيد الجزئي-مع مراعاة أحكام الترشيد الجزئي الواردة في مدونة الأسرة-، و16 سنة في حالة الترشيد الكامل.
مخالفة مبدأ انتقال الالتزامات إلى الخلف الخاص: إذ أن هناك هاته الإمكانية في ظل قانون الشغل والمتمثلة فيما تنص عليه المادة 19 من مدونة الشغل والتي جاء فيها ما يلي:
"إذا طرأ تغيير على الوضعية القانونية للمشغل، أو على الطبيعة القانونية للمقاولة، وعلى الأخص بسبب الإرث، أو البيع، أو الإدماج، أو الخوصصة، فإن جميع العقود التي كانت سارية المفعول حتى تاريخ التغيير، تظل قائمة بين الأجراء وبين المشغل الجديد، الذي يخلف المشغل السابق في الالتزامات الواجبة للأجراء، وخاصة في ما يتعلق بمبلغ الأجور، والتعويضات عن الفصل من الشغل، والعطلة المؤدى عنها.
يحتفظ الأجير المرتبط بعقد شغل غير محدد المدة والذي يتم نقله في إطار الحركة الداخلية داخل المؤسسة أو المقاولة أو مجموعة المقاولات كالشركات القابضة، بنفس الحقوق والمكاسب الناشئة عن عقد شغله وذلك بغض النظر عن المصلحة أو الفرع أو المؤسسة التي يتم تعيينه بها، وعن المهام المسندة إليه ما لم يتفق الطرفان على مزايا أكثر فائدة للأجير."
مخالفة أساس المسؤولية التقصيرية: إذ أن مسؤولية المشغل عن حوادث الشغل، هي مسؤولية بدون خطأ. عكس ماعليه الأمر في القانون المدني، إذأن المسؤولية تقتضي توفر الخطأ والنتيجة والعلاقة السببية.
تأرجح قانون الشغل بين القانون العام و القانون الخاص
جل القوانين يسهل تصنيفها إلى كونها تنتمي إلى القانون العام أو القانون الخاص، أما قانون الشغل فينتمي لقائمة القوانين التي يصعب إخضاعها لذلك التقسيم، فقد اختلفت مواقف الفقه كثيرا حول إخضاع قانون الشغل إلى إحدى قطبي القانون، رغم ميل جانب كبير من الفقه إلى اعتباره أو تصنيفه قانونا خاصا على أساس أنهدف هذا القانون هو تنظيم عقد خاص وهو عقد الشغل، لكن تطور و توسع ميدان الشغل من جهة، وازدياد تدخل الدولة في هذا الميدان من جهة أخرى دفع بفريق من ذلك الفقه إلى التراجع عن موقفه واعتبار قانون الشغل قانون مهني،واعتبرته فئة أخرى أنه لا ينتمي لا إلى القانون العام و لا إلى القانون الخاص، وإنما يشكل فرعا ثالثا إلى جانبهما و هو فرع قانون الشغل، ومع ذلك فإن غالبية الفقه تعتقد تعتقد على أن قانون الشغل هو قانون خاص بحكم أن مضامينه الأساسية ترتكز بالخصوص في حكم علاقات الشغل الفردية و الجماعية، وهي علاقات لا تهم سيادة الدولة و لا السلطان العامة بها.
قانون واقعي:
و يستفاد من هاته الصفة كون قانون الشغل يتأثر إلى حد بعيد بمحيطهالبشري و الاقتصادي والاجتماعي، بل إنه يتأثر بنوعية النشاط أوالمهنة التي ينظمها، وبإمكانية المؤسسةمن الناحية المالية، ، وكذلك ظروف وإمكانيات الدولة التي توجد بها المؤسسة،
-فمن حيث نوعية المهنة: حيث نجد بأن القواعد التي تنظم قطاعات التجارة و الصناعة والمهن الحرة، تختلف اختلافا ملموسا عن تلك التي تنظم أو تحكم علاقات الشغل في قطاع الفلاحة. سواء من حيث توقيت الشغل، أو العطل.....
-ومن حيث قدرة الأجراء على الشغل و ظروف العمل: مثلا القطاع المنجمي مقارنة مع قطاع الصناعة و التجارة، حيث نظرا لأنه ينتمي إلى صنف الأشغال الشاقة، و بالتاليفتتطلب راحة أطول،وشروط صحية أكثر، و ظروف تفتيش خاصة، ومراقبة مشددة لمدى احترام التشريع المنظم للعمل المنجمي، لذلك خص لهم المشرع مفتشين خاصين غير مفتشي الشغل.
- أما بالنسبة لظروف و إمكانية المؤسسة المالية:فكلما كانت المؤسسة كبيرة، كلما كانت إمكانيتها كبيرة كذلك، ويمكنها منح أجور و تعويضات كبيرة لأجرائها، وكذلك تكون لديها إمكانية توفير تغطية صحية لأجرائها أكثر من غيرها من المؤسسات الأخرى الصغيرة و المتوسطة من حيث إمكانياتها المالية.
-أما من حيث ظروف و إمكانيات الدولة: فاختلاف مستوى الإمكانيات الاقتصادية للدول تجعلها تختلف من حيث مستوى الأجور،والتغطية الصحية، والحماية الاجتماعية من دولة لأخرى،، فمثلا هناك دول تمنح تعويضات عن البطالة، ودول أخرى تخص ربات البيوت اللاتي يتفرغن لتربية الأطفال بتعويضات، عكس دول أخرى التي لا تشمل قوانينها هاته الأمور بالتنظيم.
قانون يميل إلى التدويل:
وهي ميزة تظهر من خلال تأسيس بعض الأجهزة تتبنى كهدف رئيسي لها خلق قواعد دولية أساسية للشغل، تنظم مختلف المواضيع المتصلة بالشغل،و تطبق من طرف مختلف الأعضاء فيها، تم في السهر على حسن ذلك التطبيق، كما هو الحال بالنسبة لمنظمة العمل الدولية التي تأسست سنة 1919 على إتر انتهاء الحرب العالمية الأولى، ومنظمة العمل العربية، و .....والتي تقر مبادئ عديدة سواء في شكل اتفاقيات، أوتوصيات التي تؤتر تأثيرا واضحا في التشريعات الداخلية لمختلف الدول، و كمثل بسيط فسن التشغيل قبل أن يحددها المشرع المغربي في 15 سنة كانت موضوع تحديد من طرف اتفاقية دولية صادق عليها المغرب، كما سترى لاحقا.
علاقة قانون الشغل بالقوانين الأخرى
تربط قانون الشغل علاقة وطيدة بجل فروع القانون الأخرى، ويختلف هذا الارتباط بين فرع و أخر كما يلي:
علاقة قانون الشغل بالقانون المدني: إن علاقة قانون الشغل بالقانون المدني هي علاقة ازلية، إذ
أن القانون الأول نشأ و ترعرع في كنف القانون الثاني، بل و يعتبر سليل هذا القانون، و يشكل القانون المدني الحجر الأساس الذي يقف عليه قانون الشغل، ولعل ذلك ما تشهد يه و تؤكده المادة 15 من مدونة الشغل التي جاء فيها:" تتوقف صحة عقد الشغل على الشروط المتعلقة بتراضي الطرفين، وبأهليتهما للتعاقد، وبمحل العقد، وبسببه، كما حددها قانون الالتزامات والعقود."
والمادة 76 من نفس المدونة التي جاء فيها ما يلي: " يعتبر الإبراء أو الصلح، طبقا للفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود، مجرد وثيقة بالمبالغ المبينة فيها." حيث أحالت على قانون الاالتزامات والعقود عند حديثها عن الإبراء و الصلح الذي قد يتم بين المشغل والأجير، ......
إلا هذا لا يمنع من كون قانون الشغل وبحكم خصوصية الميدان الذي يحكمه وخصوصية العلاقات
التي ينظمها قد شق طريق الاستقلال والتفرد نسبيا في علاقته مع القانون المدني، و ذلك من خلال تبني بعض المبادئ القانونية و الاستقلال ببعض المفاهيم، كما هوالحال بالنسبة لمبدأ نسبية العقود، ومفهوم المسؤولية، ومضمون اليطلان و المقاصة.......
علاقة قانون الشغل بالقانون الجنائي: عمل المشرع المغربي و على غرار ما هو سائد في مختلف الأنظمة القانونية القائمة على تسخير القانون الجنائي كوسيلة لضمان الانضباط إلى ما يقضي به قانون الشغل، وذلك في إطار ما هو معترف به للقانون الأول من أثر ردعي وزجري من شأنه أن يلزم كل فاعل في إطار قانون الشغل-خاصة فئة المشغلين و من يقومون مقامهم– بالانضباط للحدود التي يقررها هذا القانون.
وقد كانت عملية تجريم خرق مقتضيات قانون الشغل أداة طيعة بيد المشرع سخرها كثيرا لكفالة احترام العديد من المقتضيات التي تكتسي أهمية بالغة، لا بالنسبة للحفاظ على مصالح الطرف الضعيف وحمايتها فحسب، و لكن كذلك لاستقرار علاقات الشغل نفسها و ضمان توازنها واستمرارها، و هاته الأداة لم يوظفها المشرع المغربي لضمان احترام كل مقتضيات قانون الشغل، بل فقط تلك المقتضيات التي تبث لديه أن حمايتها بعقوبات مدنية أو إدارية لن يجدي نفعا، وأن كل مس بها من شأنه أن يهدد استقرار النظام العام الاجتماعي –العامل الأساسي في إقرار القانون الجنائي للشغل نفسه، و هو ما يظهر من خلال الاطلاع على مقتضيات مدونة الشغل التي قامت بتذيييل العديد منمقتضياتها التي تكتسي أهمية بالغة بعقوبات جنائية من شأنها أن تضمن لها التطبيق السليم.
علاقة قانون الشغل بالقانون الإداري: عادة ينظم قانون الشغل علاقات خاصة تربط بين أطراف خاصة، أجراء ومشغلين داخل مجال مغلق وهو المقاولة، ومع ذلك فله ارتباط وثيق بالقانون الإداري، الذي يحكم علاقة الدولة بموظفيها من حيث التعيين والترقية والتكليف والإعارة وغير ذلك من العلاقات، حيث أن القانون الإداري ينظم العديد من الأجهزة الإدارية في ميدان الشغل، كوزارةالشغل، و مفتشية الشغل،.......إضافةإلى خضوع بعض مستخدمي القطاع العام لقانون الشغل، إلى جانب تدخل السلطة الإدارية في حسم قرار الفصل الأجراء أو إغلاق المؤسسات لأسباب اقتصادية.
علاقة قانون الشغل بعلم التاريخ: إن أي قانون كي يفهم في حاضره لا بد وأن يتم البحث في امتداده التاريخي في الماضي، كذلك بالنسبة لقانون الشغل والذي يعد بحث تاريخه حجر زاوية في فهم القانون نفسه، وفهم مؤسساته، و أشخاصه، و تطور الأجهزة الفاعلة فيه، ونشأة قواعده، و تجددها عبر الزمن والمؤثرات التي أخرجتها لحيزالوجود.......
علاقة قانون الشغل بعلم الاقتصاد: من بين التعاريف التي تعطى لعلم الاقتصاد أنّه الأسلوب المستخدم لتنظيم مجموعة من القطاعات، مثل القطاع الماليّ، والصناعيّ، والتجاريّ، كما يسعى إلى دراسة الأفكار الاقتصاديّة المرتبطة بمجموعة من السياسات، فلا يمكن لمؤسسة أن تشق طريقها إلى النجاح دون الاعنماد على علم الاقتصاد، خاصة إذا علمنا أن الإنتاج الذي هوالهدف من وجود المؤسسة، والسبب في تشغيل العديد من العمال، هو في نفس الوقت أهم محاور علم الاقتصاد، حيث يدرس أدواته، و طريقة تنشيطه، وتجاوز المعيقات التي تقف أمام الزيادة فيه، وطرق ترويجه في الأسواق و الزمان والمكان المناسب لذلك ،سواء تعلق الأمر بنوع النشاط، و عدد العمال، ومستوى الأجور، و التعويضات الاجتماعية، وانعكاس ذلك على مستوى أسعار المنتوجات، و هوما ساهم في ظهور تخصص يهتم بدراسة الظواهر الاقتصادية المرتبطة بالشغل، و يتعلق الأمر ب: " اقتصاد العمل".
علاقة قانون الشغل بعلم الاجتماع: يعتبر علم الاجتماع أحد العلوم الاجتماعية التي تعنىبدراسة السلوك الانساني، ويختص بدراسة وتحليل الظواهر والعلاقات الاجتماعية التي توجد بين الافراد والمجموعات التي ينتمون اليها وبين المجموعات بعضها البعض.، و يشتمل علم الاجتماع على مواضيع متنوعة وكثيرة حيث يتناول الجريمة، والدين، والأسرة والدولة، والانقسامات في المجتمع، والطبقات الاجتماعية، كما يبحث علم الاجتماع في الأسباب والعواقب الاجتماعية لكثير من الأمور، مثل: الحب، والهوية العرقية، والسلوك المنحرف، والشيخوخة، والمشاكل الأسرية، ويدرس الفقر، والثروة، والمدارس والتعليم، ويحلل العديد من الظواهر مثل: النمو السكاني، والهجرة، والحرب والسلام، والتنمية الاقتصادية، كما يهتم بدراسة الشخص في محيط عمله، مما ساهم في ظهور تخصص" علم اجتماع العمل" الذي يرتبط بدراسة المصنع، بوصفه ظاهرة اجتماعية، ويدرس العوامل الاجتماعية التي تسهم في زيادة إنتاجية العمل وفعاليته، وتأثير الظروف التكتيكية– التكنولوجية والاجتماعية في الوقف من العمل والأدوار الاجتماعية الناجمة عن تقسيم العمل.
التطور التاريخي للقانون الاجتماعي
لقد ساهمت مجموعة ظروف تاريخية ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية وسياسية في تأخر ظهور القانون الاجتماعي بالمقارنة مع ياقي فروع القانون الخاص.
وسنلقي نظرة عن تطور هذا القانون عبر الزمن
نظام الشغل في ظل الحضارات القديمة:
لقد تميزت جل الحضارات القديمة من فرعونية وبابلية وإغريقية ورومانية بظاهرة الرق، وهي ظاهرة تقتضي وجود علاقة أبدية بين العبد وسيده[1]، و بحكم هاته العلاقة يخضع العبد خضوعا مطلقا لسلطة سيده، مما كان يجعله في عداد الأشياء، وليس في مقام الأشخاص، حيث كان مجردا من الشخصية الطبيعية، ومجبرا على العمل بصفة أبدية في خدمة سيده، وهو الأمر الذي كان يحول دون خلق روابط عمل بالمعنى المتعارف عليه اليوم، (أي وجود طرفين يعمل أحدهما وهو محتفظ بحريته وشخصينه، بصفة غير أبدية في خدمة الأخر وتحت إشرافه مقابل أجر(.
ولا شك أن وجود نظام الرق بالشكل المتقدم، و اعتبار العبيد من الأشياء و ليس من الأشخاص، والاعتماد على قوة عضلاتهم، هو الذي يكمن وراء تسمية عقد العمل بين الحرار في القانون الروماني ب "عقد إيجار الأشخاص" تمييزا له عن عقد إيجار الأشياء، وهي تسميةتوارتتها بعض القوانين فيما بعد، كالقانون المدني الفرنسي لسنة 1804.
نظام الشغل في ظل العصور الوسطى
تميزت علاقات الشغل في القرون الوسطى بتطورها في اتجاه نظام الإقطاع في المجال الزراعي ونظام الطوائف في المجال الصناعي.
نظام الإقطاع و أثره على علاقات الشغل
كانت الزراعة أهم مورد اقتصادي في العصر الوسيط، وكانت الأراضي الخصبة في الغالب في يد الأسياد الإقطاعيين، وكان الفقراء من الفلاحين يعيشون فوق تلك الأراضي، يحرثونها لصالح السيد مقابل لقمة العيش، إضافة إلى الحماية العسكرية التي يوفرها لهم.
و كان نظام الإقطاع يقوم على النظر إلى الأفراد العاملين فوق الأرض نظرته إلى الأرض من حيث تبعيتهم للسيد الإقطاعي،، إذ كانت توجد روابط من التيعية الدائمة بين الاثنين أدت في الواقع إلى القضاء على حرية الدخول إلى الشغل وحرية الخروج منه،، حيث يرتبط الفلاح بالأرض لا يكاد يفارقها، وفي حالة وفاته يرتبط بها أولاده من بعده.
نظام الطوائف و أثره على علاقات الشغل
كون في هاته الفترة أصحاب كل حرفة طائفة خاصة بهم،وتقوم الطائفة عادة على تدرج طبقي يبدأ بالمعلم أوشيخ الطائفة، تم العامل أوالعريف،وينتهي بالصبي تحت التمرين، وكانت كل طائفة حرفية تختص هي نفسها بوضع النظامالذي تخضع له،وخاصة ما يتعلق بعلاقات العمل مثل الترقية في درجات الطائفة، وشروط العمل من أجور وعطل....وبذلك أصبحت علاقات العمل في ظل نظام الطوائف محكومة حكما تنظيميا لا حكما عقديا، وهوتنظيم داخلي نابع من الطائفة المهنية ذاتها، و مما على ذلك أن المشروعات الصناعية الضخمة لم تكن قد برزت إلى الوجود، و بالتالي لم تتح للطبقة العاملة فرصة كبيرة للتجمع تشعرهم بقوة موقفهم.
نظام الشغل في ظل النظام الحر
سادت خلال النصف الأول من القرن 19 مبادئ الفردية يعززها مذهب الاقتصاد الحر، وأدى ذلك إلى اعتبار علاقات الشغل مسألة راجعة لإرادة الأطراف وحدهم، وقد تم إلغاء نظام الطوائف، وتم التأكيد على مبدأ الدخول إلى الشغل والخروج منه أومغادرته، كما منحت للأفراد حرية كاملة مكنتهم من التحكم في كل ما يتصل بالاقتصاد الوطني، بعيدا عن كل تدخل من جانب الدولة، كما شهدت الحقبة سيادة مبدأ سلطان الإرادة، والاعتقاد بأنه كفيل بترتيب كافة الآثار القانونية لا تحده في ذلك إلا حدود النظام العام، حيث أصبح الأشخاص في الأصل هم الذين يحكمون علاقاتهم بأنفسهم، بدون حاجة لتخل المشرع، لأن العقد شريعة المتعاقدين، ومن تم بات العقد في هاته الفترة الوسيلة المثلى والعادلة لتنظيم العلاقات بين الأفراد.
إلا أن هذا النظام قد أسفر عن عواقب وخيمة بالنسبة لطبقة العمال، لأن حرية الأطراف المبنية على المساواة النظرية لم تكن موجودة في الواقع، حيث تبين أن صاحب العمل الذي يوجد عادة في مركز اقتصادي قوي قد سيطر بكيفية مطلقة على العامل الذي يوجد عادة في مركز اقتصادي ضعيف، حيث أذعن هذا الأخير لشروط صاحب العمل، على الرغم من ظلمها، حيث فرض عليه العمل في ظروف جد قاسية ولساعات طوال و بدون راحة، مقابل أجر زهيد.
وفي ظل تلك الظروف القاسية، بدأ التعليم ينتشر، و وعي العمال بسوء مركزهم و ما يتعرضون له من استغلال يكبر،و لقد كان من نتائج تقدم الصناعة الحديثة وظهور الرأسمالية أن الفوارق بين طبقات العمال وأرباب العمل بدت جد شاسعة في تلك الفترة، كما أن تكتل العمال في المصانع قد ساعد كثيرا على تأسيس النقابات التي أخدت توا في الدفاع عن مصالحهم المهنية.
مرحلة تدخل الدولة في علاقات الشغل
إن الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها الطبقة العاملة، ووعيها جيدا بتلك الأوضاع واستعدادها للتضحية من أجل صيانة حقوقها، قد حتمت تدخل المشرع في روابط العمل لأجل خلق سلم وتوازن اجتماعيين، وقد كان ذلك بحق إيذانا بأن نظام الحرية الفردية في تلك الروابط قد بدأ يتقهقر، وأن الطريق قد بات ممهدا للتحول من جديد من الأساس التعاقدي إلى الأساس التنظيمي في حكمها.
و هكذا يدأ تدخل المشرعين في أغلبية الدول الأوربية في علاقات العمل ابتداءا من أواسط القرن 19، وإن كان في الحقيقة تدخلا بطيئا و جزئيا اهتم في البداية بالمسائل التي تحمل طابع الضرورة والاستعجال مثل تخفيض ساعات العمل، وتنظيم تشغيل الأطفال والنساء...... هذا التدخل الذي تلاه تدخل تشريعي واسع هم كل ما يتصل بعلاقات العمل، تمهيدا لميلاد فرع من فروع القانون يحكم علاقات العمل.
ظهور قانون الشغل في المغرب
يمكن إلقاء الضوء على ظهور القانون الاجتماعي بالمغرب من خلال ثلاث حقب: قبل الحماية، وفي عهد الحماية، و في عهد الاستقلال.
قبل الحماية
لم يكن في المغرب قبل عهد الحماية تنظيم قانوني للشغل بالمفهوم الحالي لهذه العبارة، وكان تعاطي الحرف مبدئيا حرا.
وكانت الحرف في المدن منظمة داخل طوائف حرفية، حيث يوجد ترتيب تسلسلي، المتعلم نم الصانع، تم المعلم، وكان على رأس كل حرفة " أمين" يتولى عند الاقتضاء فض النزاعات التي تطرأ في داخلها بطرق حبية، فإذا لم يوفق في ذلك، رفع النزاع إلى " المحتسب" الذي كان يستعين بدوره برأي الأمين.
أما عن الإطار القانوني، فإن علاقة الشغل الفردية كانت خاضعة لقواعد الفقه الإسلامي التي تجعل من هاته العلاقة "عقد إجارة خدمة"، وقد تم تبني مذهب الإمام المالكي منذ العهد المرايطي على وجه التحديد، وقد ظلت علاقات العمل بدورها محكومة بأراء فقهاء ذلك المذهب، والأعراف المحلية، الذي تبلورت في ظله إلى أن تم بسط الحماية على المغرب ابتداءا من 30 مارس1912.
في عهد الحماية
إن أول بزوغ لقانون الشغل كتشريع وضعي مغربي كان سنة 1913 في إطار قانون الالتزامات والعقود، الذي نظم عقد إجارة الخدمة والعمل في الفصول من 723 إلى 785 مكرر منه.
أما من الناحية التنظيمية فقد صدرت في السنوات الأولى بعض النصوص المتعلقة بميادين عمل معينة نذكر منها ما يلي:
قانون التجارة البحرية الصادر بتاريخ 31 مارس 1913 الذي تضمن مجموعة من الفصول المتعلقة بتشغيل البحارة.
ظهير 7 مايو 1920 المتعلق بإحداث بطاقة هوية مهنية للممثلين التجاريين.
ظهير 27 شتنبر 1921 بشأن مكاتب التشغيل.......
أما التنظيم العام للشغل، فلم يظهر للوجود إلا في سنة 1926، وذلك بواسطة ظهيرين صادرين بتاريخ 13 يوليوزمن تلك السنة، تم صدر بعد ذلك ظهير 25 يونيو 1927 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل، تم ظهير 16 دجنبر 1929 المتعلق بمجالس الخبراء...... وهي ظهائر شكلت الانطلاقة الحقيقية لقانون الشغل بالمغرب، على الرغم من أنها لم تكن تطبق سوى في المجال الصناعي وحده فقط.
وقد توالى بعد ذلك صدور النصوص التي تحكم هذا المجال، منها ظهيرا 18 يونيو المتعلقان بالحد الأدنى للأجر، و بساعات العمل، وظهير 9 يناير المتعلق بالعطلة السنوية المؤدى عنها، و ظهير 2يوليوز 1947 بشأن نظام الشغل، والنظام النموذجي الصادر بقرار 23 أكتوبر 1948.
وما تجدر الإشارة إليه هو أن هاته النصوص قد وضعت لتطبق أصلا على العمال الفرنسيين، والأجانب، ولم تكن تطبق على العمال المغاربة إلا في حالات استثنائية، كما أن هاته النصوص كانت تهتم غالبا بتنظيم العمل في المجال الصناعي والتجاري و الحر، دون العمل في الميدان الفلاحي، هذا الأخير الذي كان يضم يدا عاملة مغربية كبيرة.
في عهد الاستقلال:
بعد الاستقلال طرأت على تشريع الشغل بالمغرب تغييرات ونجديدات، وأهم ظاهرة هي أن هذا التشريع أصبح مغربيا بكل معنى الكلمة، أي أنه أصيح معدا ليطبق على جميع الأجراء و جميع المؤاجرين أيا كانت جنسيتهم، كذلك أصبحت النقابة مغربية محضة، كما أن محاكم الشغل التي حلت محل مجالس الخبراء قد اتسع نطاق اختصاصها بحيث أصبح يشمل جميع نزاعات الشغل الفردية أيا كانت جنسية الخصوم.
و قد قام المشرع المغربي بإكمال تشييد بناء القانون الاجتماعي المغربي، ومن أهم النصوص التي صدرت في هذه الفترة، هناك ظهير 16 يوليوز 1957 بشأن تأسيس النقابات المهنية، وظهير 24 دجنبر بشأن العمال المنجميين، وظهير 29 أكتوبر بشأن تمثيل العمال داخل المؤسسات، و المرسوم الملكي الصادر في 14 غشت 1962 بشأن التعويض عن نهاية الخدمة، ثم ظهير 24 أبريل 1973 المتعلق بتعيين شروط العمل في الميدان الفلاحي......إلى غير ذلك من القوانين، و قد انتهت مسيرة قانون الشغل بالمغرب بالمصادقة على مدونة الشغل التي قامت بتجميع لجل الظهائر والمراسيم المنظمة لعلاقات الشغل مع تحيينها و تعديل مقتضياتها بما يتماشى مع المستجدات الاجتماعية والاقتصادية، هاته المدونة التي تلتها مجموعة من النصوص المكملة لمقتضياتها، كما سمرى لاحقا.
مصادر القانون الاجتماعي
تنقسم مصادر القانون الاجتماعي إلى مصادر داخلية و أخرى خارجية.
المصادر الداخلية للقانون الاجتماعي
إن المصادر الداخلية للقانون الاجتماعي هي مبدئيا نفس مصادر الفروع الأخرى من القانون، أي القاعدة المكنوبة الصادرة عن السلطة العامة، ) ظهائر، مراسيم، قرارات، في الميادين الخاصة بها(، و بمعنى آخر نجد من بين المصادر الداخلية للقانون الاجتماعي المغربي،الدستور الذي يقر مجموعة من الحقوق المرتبطة بعالم الشغل، كالحق في الشغل، والحق النقابي، والتشريع العادي امتمثل في مدونة الشغل، والقوانين التنظيمية التي تحدد شروط و إجراءات ممارسة حق من الحقوق، و التشريع الفرعي و هوعبارة عن مراسيم حكومية وقرارات ومنشورات مكملة للتشريع العادي.
وإلى جانب التشريع نجد من بين المصادر الداخلية للقانون الاجتماعي =و التي يشترك فيها مع الفروع الأخرى من القانون- كذلك الفقه، والاجتهاد القضائي، حيث أن كلاهما يساهم في تطوير قواعد القانون الاجتماعي، فالفقه يحلل ويوضح القواعد القانونية مما يساعد على حسن فهمها والعمل بها، والاجتهاد القضائي يقوم بتفسير وتوضيح القاعدة القانونية، وفي الكثير من الأحيان قد يقوم بسد النقص الحاصل في القاعدة القانونية =كما هو الحال بالنسبة للقضايا التي تعرض حاليا أمام القضاء الاجتماعي المغربي ويكون موضوعها خطأ ذو طبيعة تكنولوجية ارتكبه الأجير، وكان سببا في طرده من عمله بسبب تكييف المشغل له كخطأ جسيم، إلا أن القضاء كيفه كخطأ غير جسيم ولا يوجب طرد الأجير من عمله، وكان الخطأ يتعلق بقيام الأجير بمسح ذاكرة الحاسوب-.
إلا أنه في ميدان القانون الاجتماعي تنضاف إلى المصادر السابقة الذكر القواعد التي تعود إلى أصل مهني، و هي إما تلقائية كالأعراف المهنية، أوإرادية كأنظمة المؤسسات، و الاتفاقيات الجماعية.
أما بالنسبة للأعراف المهنية، فتحتل أهمية خاصة في القانون الاجتماعي، فهي تنشأ بصفة تلقائية في الوسط المهني نتيجة تفاعل ظروف الشغل، و احتكاك مقوماته التي تختلف من مهنة لأخرى، ومن منطقة لأخرى، وتعمل الأعراف على سد الثغرات التي قد تشوب التشريع، بل إن هذا الأخير يحيل على العرف في العديد من مواد مدونة الشغل، كالمادة 11 و 43 و 229 و 231 و 389.....، و يتعين الرجوع إلى العرف دون إحالة من المشرع، فيما لم تنص عليه المصادر الأخرى، غير أنه إذا كانت قواعد العرف أقل فائدة مما تنص عليه الاتفاقيات الجماعية، و النصوص القانونية، فإنه يتم استبعادها.
أما الاتفاقيات الجماعية، فهي تكون نتيجة اتفاق إرادي بين نقابة عمالية أو أكثر من جهة، وبين مشغل أو أكثر أو نقابة تمثلهم من جهة أخرى، وتتعلق بوضع تنظيم شامل وملزم للشغل داخل الإطار المهني والإقليمي الذي تشمله الاتفاقية.
أما بالنسبة لنظام المؤسسة، فيضعه المشغل الذي يشغل 10 أجراء على الأقل تحت رقابة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل، وهو نظام مكتوب يتضمن شروط العمل داخل المؤسسة معينة وفقا للقوانين الجاري بها العمل في هذا الصدد، ويتم تعليقه في مكان أو أمكنة محددة، و قد يكتفي المشغل بتعليق النظام النموذجي الذي تتكلف بوضعه السلطة الحكومية المكلفة بالشغل،كما سنرى لاحقا.
ويضيف بعض الفقه إلى تلك المصادر عقد الشغل الفردي لما يتميز به من خصوصيات، و ما قد يتضمنه من امتيازات بالنسبة للأجراء.
المصادر الدولية للقانون الاجتماعي
تتمثل المصادر الدولية للقانون الاجتماعي في القواعد الصادرة عن منظمة العمل الدولية، وتلك الصادرة عن منظمة العمل العربية، بالإضافة إلى تلك القواعد المضمنة في معاهدات دولية.
منظمة العمل الدولية
هي منظمة تأسست في عام 1919 انطلاقا من معاهدة فرساي ومقرها مدينة جنيف في سويسرا، وهي تعتبر في الأصل أحد أجهزة عصبة الأمم التي انفصلت عنها فيما بعد، لتلتحق بعد الحرب العالمية الثانية بهيئة الأمم المتحدة، وتصبح أحد منظماتها المتخصصة، وقد اكتسب المغرب عضويته في هاته المنظمة بتاريخ 13 يونيو 1956.
وتعتمد هاته المنظمة في عملها على ركيزة دستورية أساسية، وهي أن السلام العادل والدائم لا يمكن أن يتحقق إلا إذا استند على العدالة الاجتماعية.
حددت منظمة العمل الدولية العلامات المميزة للمجتمع الصناعي، مثل تحديد ساعات العمل في ثماني ساعات، وسياسات الاستخدام، وسياسات أخرى تتعلق بالسلامة في مكان العمل، والعلاقات الصناعية السليمة. وبذلك كانت أهم أهداف المنظمة تحقيق العدالة الاجتماعية الاجتماعية، و تدويل القانون الاجتماعي، و العمل على حماية الطبقة العاملة، والرفع من مستواها المادي داخل الدول الأعضاء فيها.
وتتكون المنظمة من ثلاثة أجهزة:
- المؤتمر الدولي: وتتمثل مهمته الأساسية في محاولة توحيد فوانين الشغل في مختلف الدول الأعضاء من خلال الاتفاقيات و التوصيات التي يصدرها.
- مجلس الإدارة: و هوالجهاز التنفيذي للمنظمة، ويتكون أعضاؤه من العمال و أرباب العمل، دون أن يكونوا ممثلين لبلدهم.
- مكتب العمل الدولي: و يعتبر بمثابة السكرتارية الدائمة للمنظمة.
منظمة العمل العربية
أنشأت منظمة العمل العربية سنة 1965، وتتحد في أهدافها مع منظمة العمل الدولية مع تحديد نطاقها في الحدود العربية كما يرمز لذلك اسمها. وتتكون من ثلاث هيئات:
المؤتمر العام: وهو يتكون من مجموع وفود الدول المشاركة، ويتكون كل وفد من 4 منذوبين، اثنين عن الحكومة وواحد عن الأجراء وواحد عن المؤاجرين، ويحظى بمهمة تشريعية يباشرها عن طريق الاتفاقيات والتوصيات.
مكتب العمل العربي: وهو الأمانة الدائمة للمنظمة، و الجهاز التنفيذي لها، ويترأسه مدير عام يقوم بتسيير أعمال المنظمة بمساعدة ثلاثة مساعدين و عدد من الموظفين، وتتمثل اختصاصاته بصفة أساسية فيما يلي: -إعداد جميع الوثائق الخاصة ببنود جدول الأعمال
- القيام بأعمال السكرتارية للمؤتمر العام و اللجان.
- تقديم المعونة والمشورة لحكومات الدول العربية.
- إعداد مشروع الميزانية,
مجلس الإدارة: وتتمثل أهم اختصاصاته في إمكانبة دعوة المؤتمر العام للمنظمة إلى الانعقاد في دورة غيرعادية، وإعداد مشروع جدول أعمال المؤتمر العام بالتشاور مع المكتب، واعتماد أنظمة حسابات المنظمة، ومراقبة مالية المنظمة، إلى غير ذلك من الاختصاصات.
ويتكون المجلس من 8 مندوبين أصليين، أربعة عن الحكومات، و اثنين عن أصحاب العمل، و اثنين عن العمال، وأربعة أعضاء احتياطيين، اثنين منهم عن الحكومات، وواحد عن أرباب العمل، وواحد عن العمال، والمؤتمر هو الذي يختار أعضاء مجلس الإدارة .
الاتفاقيات الثنائية الخاصة بميدان العمل:
و يضاف إلى المصادر الدولية السابقة، الاتفاقيات الثنائية الخاصة بميدان العمل، وهي اتفاقبات تنبع غالبا عن هجرة اليد العاملة، حيث يهدف البلد المصدر لليد العاملة إلى ضمان بعض الحقوق لمواطنيه المهاجرين، عن طريق إبرام اتفاقيات مع البلد المستقبل لتلك اليد العاملة، والمغرب باعتباره بلدا مصدرا لليد العاملة نحو دول أوربية و عربية، قد استطاع إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية التي ترمي بالخصوص إلى الاعتراف ببعض الحقوق لمواطنيه، وهي حقوق غالبا ما تتصل بالضمان الاجتماعي، والتعويض عن حوادث الشغل، والاستفادة من التعويضات العائلية، والحق في تحويل العملة إلى الوطن الأم، إلى غير ذلك من الحقوق الأخرى.
نطاق تطبيق قانون الشغل
يتحدد نطاق تطبيق قانون الشغل من خلال تحديد الأشخاص والمؤسسات الخاضعة له والتي تلتزم بأحكامه، وتستفيد من مقتضياته، وبالرجوع إلى مدونة الشغل نجدها تحدد هذا النطاق كما يلي:
1-الفئات الخاضعة لمدونة الشغل:
يخضع لمقتضبات مدونة الشغل، المؤسسات الصناعية والتجارية والمهن الحرة، والمهن الحرة هي التي يمارسها صاحبها في استقلال تام، ودون أن يكون تابعا لأي ممن يؤدي العمل لصالحهم، والذين يسمون زبناء، كالخبراء والمحاسبين، والمهندسين والمحامون و الموثقين....إلا أن هذا لا يمنع من أن يدخل أعضاء هاته الفئة في علاقة تبعية عند اشتغالهم لدى مقاولة أومؤسسة معينة، كالطبيب، و المهندس....، فيصبحون بالتالي خاضعين لمدونة الشغل. وتبعيتهم في الغالب تكون تبعية تنظيمية، أي يمارسون عملهم بشكل مستقل، ويخضعون لمشغلهم من حيث تنظيم أوقات العمل، وكيفية أداء الأجر وغيرها من الإجراءات الإدارية الأخرى.
ويضاف إلى هاته الفئات، المؤسسات الفلاحية و الغابوية والمرافق التابعة لها، إلى جانب مقاولات الصناعة التقليدية، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن مدونة الشغل قد ميزت بين القطاعات المتميزة بطابع تقليدي صرف، ومقاولات الصناعة التقليدية بحيث تخضع الأولى لأحكامها، بينما تبقى الثانية خاضعة لقانون خاص كما سنرى لاحقا.
2-فئات تخضع بصفة احتياطية لمدونة الشغل:
بمعنى أنها لا تخضع لها بصفة مطلقة كما هو الحال بالنسبة للفئة السابقة، بل بصفة احتياطية، لأن هاته الفئة قد خصها المشرع بنظام خاص، و بالتالي فهي تخضع في علاقاتها مع مشغليها لأنظمتها الأساسية، وتستفيد من مدونة الشغل فيما لم يرد بشأنه نص في أنظمتها الأساسية، وهم:
-أجراء المقاولات التابعة للدولة
-الأجراء البحارة
-مستخدموا المقاولات المنجمية
-الصحفيون المهنيون
-أجراء الصناعة السينمائية
-البوابون في البنايات المعدة للسكنى
3- الفئات الخاضعة استثناءا لمدونة الشغل:
و يتعلق الأمر بالفئات المرتبطة بمشغلهم بتبعية اقتصادية لا بتبعية قانونية كما هو الحال بالنسبة ل:
أجراء المنازل، أي أولئك الذين ينجزون أعمال تطلب منهم في منازلهم لقاء أجر لفائدة مقاولة واحدة أو عدة مقاولات.
الممثل أو الوسيط في التجارة و الصناعة، وهو من تعهد إليه مؤسسة معينة بمباشرة مختلف البيوعات باسمها ولحسابها، نظير مقابل يكون عبارة عن عمولة يتقاضاها هذا الأخير مرة كل ثلاثة أشهر.
4-الفئات الخاضعة بصفة جزئية لمدونة الشغل:
و يتعلق الأمر بالمستفيدين من التدريب من أجل الإدماج المهني، و تربطهم بالمشغل اتفاقية التدريب بقصد التأهيل لممارسة مهنة من المهن ولا تسمى عقد شغل.
والمستفيدون من التدرج المهني، و يعد هذا الأخير نمط من أنماط التكوين المهني، يتم بالمقاولة، ويهدف إلى تمكين المستفيد من اكتساب مهارات عملية عن طريق ممارسة نشاط مهني يسمح للمتدرج البالغ من العمر15 سنة على الأقل عند إبرام عقد التدرج المهني بالحصول على تأهيل يسهل اندماجه في الحياة العملية.
ويتقاضى المتدرج منحة شهرية يتم تحديدها باتفاق معه أو مع ولي أمره، ويمكن أن تقل عن الحد الأدنى للأجور المعمول به في القطاع الذي يتكون فيه المتدرج.
والمستفيدون من التمرس المهني، وهو كذلك نمط من أنماط التكوين المهني، الغاية منه تلقين المتمرنين معارف عامة ومهنية وتكنولوجية، واكتساب مهارات عملية عن طريق ممارسة نشاط مهني داخل المقاولة قصد الحصول على اختصاص مهني في إحدى الشعب الملقنة بمؤسسات التكوين المهني.
وللإشارة فهاته الفئات المذكورة تستفيد فقط من المقتضيات المتعلقة بمدة الشغل، والراحة الأسبوعية، والعطلة السنوية المؤدى عنها، وايام الراحةوالأعياد، والتقادم، إلى جانب المقتضيات المتعلقة بالتعويض عن حوادث الشغل. دون باقي المقتضيات المتضمنة في قانون الشغل.
5-فئات مستبعدة من أحكام مدونة الشغل:
ويتعلق الأمر بخدم البيوت، والأجراء في القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف، جاء في المادة 4 من مدونة الشغل: " يحدد قانون خاص شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت الذين تربطهم علاقة شغل بصاحب البيت
يحدد قانون خاص العلاقات بين المشغلين والأجراء و شروط الشغل في القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف"
و حسب نفس المادة "يعتبر مشغلا في القطاع الذي يتميز بطابع تقليدي صرف، كل شخص طبيعي يزاول حرفة يدوية بمساعدة زوجه و أصوله و فروعه أو بمعية 5 مساعدين على الأكثر، ويتعاطى حرفته إما بمنزله، أوفي مكان يشتغل به، و ذلك قصد صنع المنتوجات التقليدية التي يهيئها للاتجار فيها".
وسنحاول تناول القانونالاجتماعي من خلال محورين كما يلي:
المحور الأول:علاقات الشغل الفردية
المحورالثاني: علاقات الشغل الجماعية.
لتحميل محاضرات مادة القانون الاجتماعي(الشغل) المرجو الضغط علي: هنا