تحميل محاضرات القانون العقاري والحقوق العينية PDF


محاضرات القانون العقاري والحقوق العينية


تقديم عام

كان القطاع العقاري في المغرب قبل عهد الحماية، يخضع لقواعد الفقه الإسلامي طبقا للمذهب المالكي، ومن ثم كانت هناك وحدة في المرجعية التي يعتمد عليها القاضي لإصدار أحكامه، بالرغم من التنوع -وأحيانا التضارب- الموجود داخل المرجعية الموحدة.

عندما بسطت الحماية سلطتها على المغرب، استقدمت معها ترسانة من القوانين ذات المرجعية اللاتينية، فنتجت عن ذلك ازدواجية في مرجعية القواعد القانونية المنظمة للعقار، بين مرجعية الفقه الإسلامي ومرجعية القانون اللاتيني.

كما تعددت الأنظمة العقارية، حيث انضاف نظام عقاري جديد هو نظام العقار المحفظ إلى الأنظمة العقارية التي كانت موجودة قبل مجيء الاستعمار.

رغم حصول المغرب على استقلاله، إلا أنه ظل يحمل عبء تركة العهد الاستعماري، ولم تفلح محاولة توحيد المرجعية بعيد الاستقلال، حيث فشلت -أو أفشلت- مبادرة تقنين أحكام الفقه الإسلامي في شتى المجالات، واقتصرت على موضوع الأحوال الشخصية. بينما ظل العقار رهين ازدواجية المرجعية وتعدد الأنظمة.

في 26 يناير 1965 صدر قانون توحيد القضاء ومغربته وتعريبه، لكنه لم ينفع في توحيد القواعد

المنظمة للعقار، لأنه أرجأ هذا الأمر إلى أجل غير مسمى، حيث نص في فصله الثالث على أن"النصوص الشرعية والعبرية وكذا القوانين المدنية والجنائية الجاري بها العمل تبقى سارية المفعول إلى أن تتم مراجعتها لدى المحاكم المذكورة في الفصل الأول" من هذا القانون.

إن فشل هذه المحاولات لتوحيد القواعد المنظمة للعقار في المغرب لم يخمد جذوة المناداة بضرورة هذا التوحيد، ومن ثم كان هذا الهاجس من أهم الأسباب الموجبة لصدور مدونة الحقوق العينية، وهو ما نقرأه واضحا مذكرة تقديم مشروعها

فهل هذه المدونة استطاعت تحقيق التوحيد المطلوب

سنجيب عن هذا السؤال ببيان مجالات نجاح مدونة الحقوق العينية ومواطن إخفاقها في توحيد القاعدة القانونية المنظمة للعقار، ولكن قبل ذلك لابد أن نعرج على دواعي هذا التوحيد.

- المطلب الأول دواعي توحيد القواعد المنظمة للعقار

- المطلب الثاني مظاهر توحيد القواعد المنظمة للعقار في مدونة الحقوق العينية

- المطلب الثالث إكراهات توحيد القواعد المنظمة للعقار في مدونة الحقوق العينية

+ المطلب الأول دواعي توحيد القواعد المنظمة للعقار

لاشك أن العقا ر هو عنوان وجود الإنسان منذ أن وجد على سطح هذه البسيطة بمقتضى أم ر الله تعالى ­)ولكم في الآرض مستق ر ومتاع إلى حين(.

• أهمية العقا ر ليست وليدة اليوم، لكنها ازدادت بشكل لافت بعد أن أصبح يمثل المحضن الأساس لمختلف الآنشطة الاقتصادية والاجتماعية، والوعاء الذي تتم فيه أهم العمليات الاستثمارية.

• الكيفية التي يتم بها الانتفاع بالعقار ر في أي بلد تنعكس إلى حد بعيد على مستوى هذا البلد، وترهن مصيره اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا أيضا.

• لم يعد اليوم مجرد وجود قواعد منظمة للعقا ر كافيا للفت الانتباه إليه، وجذب الاهتمام به في العمليات الاستثمارية، بل أصبح المهم أكث ر ه و مدى وضوح هذا القواعد ودقتها.

• تعدد القواعد المنظمة للعقا ر وتشتتها يخلق حالة من الفوضى القانونية تنتج عنها حالة من الإرباك لدى الفاعلين الاقتصاديين، تؤدي إلى إحجامهم عن المبادرة والاندفاع نح و الاستثمار في العقار.

النتيجة الطبيعية لذلك هو سيادة جو من الركود ينعكس سلبا على وتيرة الدورة الاقتصادية، وبالتالي تعطيل عجلة النمو في اقتصاد البلد ككل، وما يستتبع ذلك من مشاكل على مختلف الآصعدة

• بالمقابل، تخلق وحدة القواعد المنظمة للعقار اطمئنانا لدى الفاعلين الاقتصاديين، لأنهم حينها يستطيعون معرفة ضوابط الاستثمار العقاري، وإدراك أهم الآنشطة المربحة في هذا الاستثمار، بل ويمكنهم توقع نتيجة الآحكام التي ستصدر في حالة نشوء نزاعات بمناسبة هذا الاستثمار.

• الآمر ليس مقصورا على الفاعلين الاقتصاديين وحدهم، بل إن عموم الناس معنيون هم أيضا بوحدة القواعد القانونية المنظمة للعقار كشرط ضروري للاطمئنان على سيادة القانون وحماية الحقوق وفق مبادئ العدالة والإنصاف.

وحدة القواعد القانونية المنظمة للعقار هي الكفيلة بتحقيق الآمن القانوني.

• كما أن وحدة القاعدة القانونية المنظمة للمجال العقاري ولأي مجال، هي دليل قوة الدولة وسيادتها في هذا المجال، وهي عنوان على درجة الانسجام المجتمعي ومدى انصهار مختلف مكونات المجتمع بتعدد مشاربها وأفكارها في بوثقة واحدة تعبر عن الكيان الموحد للدولة.
تنبيه:

توحيد القواعد القانونية المنظمة للعقار لا يعني بالضرورة إلغاء القواعد المستمدة من خصوصية الأنظمة والهياكل العقارية المختلفة، ولا يعني أن نضرب صفحا عن كل القواعد التي اقتضتها طبيعة كل نظام عقاري، لأن التوحيد بهذا المعنى هو أقرب إلى العب منه إلى التنظيم القانوني الرصين.

+المطلب الثاني مظاهر توحيد القواعد المنظمة للعقار في مدونة الحقوق العينية

-1 توحيد الإطار القانوني المطبق على العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظة، إذ كان المغرب يعرف ازدواجية في هذا الصدد. فبالنسبة للعقار المحفظ كان هناك نصان قانونيان،

• أولهما ه و الظهير الصاد ر في 09 رمضان 1331 ( 12 غشت 1913 (، والذي يبين كيفية تحفيظ عقار من حي المسطرة الواجبة الاتباع، وما يترتب عنها من آثار قانونية صارمة،

• والنص القانوني الثاني ه و الظهير الصادر في 19 رجب 1333 ( 02 يونيو 1915 ( والذي تضمن القواعد التي تطبق على العقار بعد تحفيظه، من نظير تنظيم الحقوق العينية الآصلية والتبعية التي يوجد على هذا العقار.

في المقابل لم يكن هناك تشريع خاص بالعقارغير المحفظ بل كان القضاء مضطرا للرجوع إلى القواعد الفقهية وفق الراجح والمشهور وما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك. وقد أدى ذلك إلى تضارب الآحكام القضائية، تبعا لتعدد الأراء الفقهية بهذا الخصوص.

الملاحظ أن هذا الإطار القانوني الموحد المسمى مدونة الحقوق العينية تضمن أغلب القواعد القانونية التي كان يتضمنها ظهير 19 رجب 1333 ( 02 يونيو 1915 ( والذي كان يطبق على العقارات المحفظة فقط.

وقد برر ذلك واضعو مشروع المدونة بكون هذه القواعد هي قواعد موضوعية مستمدة من الأحكام الفقهية والأعراف المعمول بها، وبالتالي فهي تحكم الحق العيني سواء كان العقار المتعلق به محفظا أو غير محفظ.

-2 توحيد المرجعية في ما لم يرد به نص في مدونة الحقوق العينية، حيث نصت المادة الأولى منها على أنه" تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 ( 12

غشت 1913 ( بمثابة قانون الالتزامات والعقود في ما لم يوجد به نص في هذا القانون، فإن لم يوجد نص قانوني يرجع إلى الراجح وما جرى به العمل من الفقه أو المدهب المالكي"

والملاحظ أن هذه المرجعية هي التي كانت معتمدة بالنسبة للعقار المحفظ في ظل ظهير 19 رجب 1333( 02يونيو 1915 (، بينما كانت المرجعية فقهية خالصة بالنسبة للعقار غير المحفظ، وكان الرجوع إلى ظهير الالتزامات والعقود محط خلاف فقهي وقضائي، فجاءت مدونة الحقوق العينية لتحسم هذا الخلاف، وتعطي الأولوية لظهير الالتزامات والعقود على القواعد الفقهية. 

-3 توحيد المقتضيات المتعلقة بحق الملكية وبقواعد الإثبات:

•فيما يتعلق بحق الملكية بينت مدونة الحقوق العينية نطاق هذا الحق وكيفية ممارسته وحمايته. كما وضحت الأحكام المتعلقة بالملكية المشتركة، والقواعد المرجعية التي تسري عليها، وهي بالإضافة إلى مدونة الحقوق العينية قانون الالتزامات والعقود والنصوص الخاصة.

•أما بالنسبة لقواعد الإثبات، فقد تم توحيدها على مستوى العقار غير المحفظ، وتم توضيح قواعد الترجيح بين البينات المدلى بها لإثبات ملكية عقار أو حق عيني على عقار.

•في حين ظلت الرسوم العقارية بالنسبة للعقارات المحفظة وما تتضمنه من تقييدات حجة على أن الشخص المعين بها هو فعلا صاحب الحقوق المبينة فيها.

-4توحيد الحقوق العرفية الإسلامية المعترف بها كحقوق عينية: 
فمن المعلوم أن هذه الحقوق أنشأها العرف، وقد كانت في أصلها حقوقا شخصية، ولكنها تطورت لتصبح حقوقا عينية تباع وتوهب وتورث وتخضع لمختلف التصرفات.

بسبب كون العرف هو مصدر هذه الحقوق، فقد صعب على مشرع ظهير 19 رجب 1333 ( 02 يونيو(1915 الإحاطة بها وحصرها. لذلك فقد اكتفى في الفصل الثامن من الظهير بذكر بعضها على سبيل المثال.

هذا عيب تشريعي كبير نتجت عنه مشاكل عملية لا سيما على مستوى التحفيظ العقاري، حيث صعب على المحافظ اتخاذ قرار بتسجيل أو عدم تسجيل حق عرفي لم يرد ضمن الحقوق المذكورة على سبيل المثال في الفقرة ما قبل الأخيرة من الفصل الثامن الآنف الذكر، والتي جاء فيها: "الحقوق الإسلامية ك الجزاء والاستئجار والجلسة والزينة والهواء".

من أجل حل هذا الإشكال حصرت مدونة الحقوق العينية الحقوق العرفية التي يمكن إنشاؤها بعد دخول هذه المدونة حيز التنفيذ في حق الزينة وحق الهواء والتعلية، دون باقي الحقوق العرفية الآخري، باستثناء ما أنشئ منها بوجه صحيح قبل دخول المدونة حيز التنفيذ.

+المطلب الثالث إكراهات توحيد القواعد المنظمة للعقار في مدونة الحقوق العينية

• من يطلع على مدونة الحقوق العينية لا يجد صعوبة في إدراك أن المشرع وهو يسعى إلى توحيد القواعد المنظمة للعقار، كان على وعي تام بما تفرضه عليه الإكراهات المرتبطة بخصوصية كل نظام من الأنظمة العقارية المختلفة.

• لكن تجاوز المشرع لخصوصية المرجعية الفقهية الخاصة بأحكام التبرعات سعيا للتوحيد يعتبر أمرا غير مقبول.

+ الفقرة الأولى: الإكراهات المرتبطة بخصوصية الأنظمة العقارية
+ الفقرة الثانية: الإكراهات المرتبطة بخصوصية المرجعية

  الفقرة الأولى: الإكراهات المرتبطة بخصوصية الأنظمة العقارية

•كانت مدونة الحقوق العينية واضحة عندما صرحت المادة الأولى منها بأن "تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار".

•يفهم من هذه المادة أن مدونة الحقوق العينية ليست بديلا عن التشريعات الخاصة بمختلف الأنظمة العقارية، بل يمكن اعتبارها بمثابة الشريعة العامة لمختلف هذه الأنظمة مرجعية الآحكام المنظمة للعقار تصبح كالتالي: التشريعات الخاصة، فمدونة الحقوق العينية، فظهير الالتزامات والعقود، فالأحكام الفقهية وفق الراجح والمشهور وما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى.

• تستثنى العقارات الوقفية من هذه التراتبية المرجعية، لأن المادة 130 من مدونة الحقوق العينية نصت على أنه: "تطبق على حق الحبس الأحكام الواردة في مدونة الأوقاف".

•ولأن المادة 169 من مدونة الأوقاف نصت على تراتبية مرجعية أخرى، حيث جاء فيها أن: "كل ما لم يرد فيه نص في هذه المدونة يرجع فيه إلى أحكام المذهب المالكي فقها واجتهادا بما يراعى فيه تحقيق مصلحة الوقف".

• معنى ذلك أن المرجعية في الوقف هي مرجعية فقهية خالصة في ما لم يرد فيه نص في مدونة الأوقاف، وليس وفق الراجح والمشهور وما جرى به العمل من مذهب الإمام مالك، وإنما وفق ما يحقق مصلحة الوقف من الأحكام الفقهية المنصوص عليها في هذا المذهب أو المجتهد فيها بقواعده.

• هكذا، فيمكن القول إن الأنظمة العقارية بالمغرب بقيت بعد صدور مدونة الحقوق العينية كما كانت من قبل، سواء من حيث ازدواجية النظام بين محفظ وغير محفظ، أو من حيث تعدد الهياكل العقارية بين أملاك الدولة العامة والخاصة، والأملاك المحبسة، وأملاك الجماعات السلالية، وأملاك الجماعات المحلية، وأملاك الجيش.

• نحن لا نرى أي ضرر في استمرار هذه الهياكل شريطة تحديث المنظومة القانونية المؤطرة لها بما يؤهلها للانخراط في التنمية الاقتصادية والمجالية.

• بل ونعتقد أن استمرارها فرضته إكراهات الخصوصية التي تتميز بها. وعدم توحيدها بموجب مدونة الحقوق العينية دليل على مرونة هذه المدونة وتعاطيها بشكل إيجابي مع معطيات الواقع المغربي كما تشكل عبر التاريخ.

بموجب مدونة الحقوق العينية نكون إزاء وضعية عقارية تتسم بالتنوع في إطار الوحدة،وهذا أمر مطلوب ومحمود.

الفقرة الثانية: الإكراهات المرتبطة بخصوصية المرجعية

•من حسنات مدونة الحقوق العينية أنها نظمت لأول مرة الهبة والصدقة

•غير أنها وقعت في منزلق تشريعي خطير عندما لم تحترم خصوصية المرجعية التي استمدت منها الأحكام المنظمة لهذين العقدين، ونقصد بذلك المرجعية الفقهية.

•رغم أن قانون الالتزامات والعقود لم يتناول عقد الهبة وعقد الصدقة عند تنظيمه للعقود المسماة، إلا أن مرجعيته واضحة في تنظيم هذين العقدين في مدونة الحقوق العينية.

•لقد تجاهلت مدونة الحقوق العينية شرطا أساسيا لصحة عقدي الهبة والصدقة وهو شرط الحوز، الذي يعني رفع يد المتبرع عن المتبرع به وبسط سلطة المتبرع له عليه.

•الغريب في الأمر أن الصيغة الأولى لمشروع مدونة الحقوق العينية نصت في المادة 138 من المشروع الموافقة للمادة 274 من المدونة على أنه "لا تتم الهبة إلا بالحوز، ولا يكون الحوز صحيحا إلا بالإشهاد على حصوله بواسطة عدلين أو موثق"، وأضافت هذه المادة بأن الحوز يعد دليلا على القبول". فما الذي جعل الصيغة النهائية تخلو من هذا المقتصر

•بالتمعن في أحكام الهبة والصدقة كما وردت في مدونة الحقوق العينية يوصلنا إلى نتيجة مفادها أنه تم الخلط بين الحوز والقبول، وأعطيت لهما نفس الدلالة، رغم أنهما ليسا كذلك.

•القبول لا يدل على الحوز، وإن كان الحوز يدل على القبول. والسبب في ذلك يرجع إلى عدم الانضباط لضوابط المرجعية الفقهية لعقدي الهبة والصدقة، والتركيز على ما يتعلق بالتعبير عن الإرادة كما تقضي بذلك مرجعية قانون الالتزامات والعقود.

لتحميل تتمة محاضرات القانون العقاري والحقوق العينية المرجو الضغط علي: هنا

































































إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال