عرض حول: حجية محررات الموثق في الإثبات

عرض حول:

حجية محررات الموثق

في الإثبات


مقدمة:

يعتبر قانون فانتوز الصادر في فرنسا سنة 1803 م أصلا لظهير 4 ماي 1925 المنظم لشؤون ومحرري الوثائق الفرنسيين بالمغرب أو ما أصبح يعرف بالتوثيق العصري بعد ما كان التوثيق العدلي هو السائد والنوع الوحيد الذي يعتمد لتوثيق المعاملات بين الأشخاص.

ويعتبر الظهير أعلاه هو المرجع القانوني لهذه المؤسسة التي أدخلها المستعمر لحماية مصالحه الخاصة. وقد بقيت هذه المؤسسة فارضة وجودها حتى بعد استقلال المغرب ، بل ظل نفس الظهير ينظمها، إلى حين مجيء قانون 32.09 الذي نسخ ذلك الظهير الذي عمر قرابة قرن من الزمن ولعل هذا القانون الأخير هو الذي سأناقش هذا العرض على ضوئه.

أهمية الموضوع:

إن الموضوع الذي بين أيدينا يبلغ أهمية كبيرة سواء على المستوى النظري أو على المستوى العملي.

فالأهمية النظرية للموضوع تكمن في الاهتمام المبكر الذي أولاه المشرع المغربي للرسمية ومجالها سواء ضمن القواعد العامة (ق ل ع) أو ضمن القواعد الخاصة (ق 32.09) المتعلق بهذا التوثيق العصري.

أما بالنسبة للأهمية العملية فتتمثل أساسا في الدور الكبير الذي تلعبه الرسمية في تحقيق الأمن القانوني والإستقرار الإجتماعي والإقتصادي من حفظ الحقوق وضمان استقرار المعاملات بين الأفراد.

إشكالية الموضوع:

يقتضي دراسة وتحليل هذا الموضوع طرح الإشكالية الجوهرية المتمثلة في: ما مدى حجية محررات الموثق في الإثبات؟

 

خطة البحث:

لدراسة موضوع حجية محررات الموثق في الإثبات كان لزاما تقسيم هذا الموضوع وفق التصميم التالي:

- الفصل الأول: المحددات التشريعية في الموثقين العصرين على ضوء ق 32.09.

- الفصل الثاني: حجية المحرر المنجز من طرف الموثق.


الفصل الأول: المحددات التشريعية في الموثقين العصريين على ضوء ق 32.09.

إن المشرع المغربي في إطار تنظيمه لمهنة التوثيق من خلال القانون 32.09 اشترط فيهم توفر مجموعة من المقومات من أهلية علمية وأداء اليمين وغيرها من الشروط التي سنتناولها في المبحث الأول، كما اشترط في المحررات الصادرة عنهم أن تكون مستوفية للشكليات التي حددها القانون. والتي سنتناولها في المبحث الثاني.

المبحث الأول: صفة الموثق الذي أوكل له المشرع حق توثيق العقود

يلجأ الأشخاص إلى الموثق لإستشارته في الكثير من الأمور التي تخصهم، ويودعونه في هذا الشأن أسرارهم وأسرار عائلاتهم، ويضعون بين يديه أموالهم وممتلاكتهم.

والشخص الذي يمثل هذه المكانة في المجتمع ويقوم بهذا الدور المهم ينبغي أن يتحلى بالإستقامة والنزاهة، ويكون ملما الماما واسعا بالقوانين، وأن يقضي تمرينا معقولا يمكنه من توظيف معلوماته النظرية والإطلاع على ميدان التوثيق قبل البدء في ممارسة نشاطه.

وسنتناول هذا المبحث في مطلبين، الأول سنخصصه لطريقة تعيين الموثق، في حين سنخصص المطلب الثاني للإطار القانوني لدائرة مهام واختصاص الموثق.

المطلب الأول: طريقة التعيين

سنعالج هذا المطلب عبر أربع فقرات بحيث سنتناول في الفقرة الأولى الأهلية العلمية وفي الفقرة الثانية إلزامية التمرين وفي الفقرة الثالثة أداء اليمين على أن نشير في الفقرة الرابعة إلى الرقابة القضائية.

الفقرة الأولى: الأهلية العلمية

تتمثل الأهلية العلمية للموثق في الشهادة المطلوبة للإلتحاق بمهنة التوثيق حيث اشترط في المترشح للمهنة أن يكونا حاصلا على شهادة الإجازة في الحقوق من إحدى كليات الحقوق المغربية أو ما يعادلها

الفقرة الثانية: إلزامية التمرن

تتمثل في الفرع الثالث من ق.32.09 المخصص لكيفية تنظيم وقضاء فترة التمرن في موادها ( 8 9- 10- 11 -12- 13- 14-15) ويمكن أن نستنتج هذه الإلزامية من عبارات المشرع مثلا في المادة 14"...لا يجوز للمتمرن الإنقطاع عن التمرين دون مبرر مقبول" والمادة 8: "يقضي المعفى..." والمادة  في فقرتها الأولى9:" يقضي الناجح" وفي فقرتها الثانية التي تنص على فترات التمرين"....مدته ثلات سنوات "

الفقرة الثالتة:  أداء اليمين

يظهر من المادة 13 من ق 32.09 المنظم لمهنة التوثيق.

الفقرة الرابعة: الرقابة القضائية

أسندت المادة 31 في فقرتها الثانية ممارسة هذه الرقابة لقضاة النيابة العامة، ويتعين أن تكون هذه الرقابة مرة واحدة على الأقل سنويا ويقومون بالتأشير على السجلات النظامية وتفتيش صندوق الموثقين للاطلاع على حالة الأمانة المودعة لديهم مع بيان اليوم الذي أجرو فيه المراجعة، ويقومون بإنجاز تقرير للوكيل العام للملك يتضمن نتائج المراجعة بالنسبة لكل موثق مشفوعة بآرائهم في الموضوع مع التعليل والتسبيب.

وقد أعطى الفصل 31 من الظهير المنظم، للنيابة العامة تفويض هذا الإختصاص للقضاة أو لموظف من إدارة المالية أو لموثق مزاولة الوظيفة مقابل تعويضات تخصص له عن النقل والإقامة.

فقد حافظ مشروع 32.09 على نفس هذه المضامين تقريبا في القسم الرابع الذي عنونه ب" المراقبة والتأديب" والذي تضمن المواد 65 – 66 -67  -  68- 6  -70 -71 ، الإقرار منه بأهمية الرقابة التي يمارسها القضاء على الموثق العصري أثناء مزاولة مهامه.

ومن خلال ما سبق يظهر لنا الطابع السيادي للدولة في طريقة تعيين الموثقين الشيء الذي يؤكد لنا على قوة حجية محراراتهم.

المطلب الثاني: الإطار القانوني لدائرة مهام واختصاص الموثق

سنقسم هذا المطلب في دراسته، إلى فقرتين بحيث سنتناول في الأولى الإختصاص على مستوى ق 32.09 والثانية سنخصصها لدراسة الاختصاص على مستوى ق. ل. ع و م ح. ع.

الفقرة الأولى: اختصاص الموثق على مستوى قانون 32.09

ينقسم اختصاص الموثق حسب قانون التوثيق الجديد إلى اختصاص من حيث موضوع العقود التي يمكن للموثق مباشرة تحديدها وإضفاء الطابع الرسمي عليها.

الإختصاص الإقليمي للموثق

أود بعد الإشارة إلى ما كان عليه الحال في ظل ظهير 4 ماي 1925، حيث جاء في الفصل الثاني منه" إن الموثقين الذين يقيمون بالرباط يمكنهم مباشرة التوثيق في دائرة نفوذ محكمة الاستئناف كلها، أما الذين يقيمون في دائرة نفوذ محكمة ابتدائية، فيمكنهم مزاولة مهامهم داخل دائرة محكمة الصلح التي يوجد فيها مقرهم، وعند الاقتضاء يمكن تمديد دائرة اختصاصهم بمقتضى ظهير إلى دوائر اختصاص محاكم صلح أخرى إذا كانت هذه الأخيرة تفتقر إلى وجود موثقين"

هذا الفصل كان في فترة الحماية وبقي العمل به حتى بعد الاستقلال، مما يفرض تعديله بشكل يتناسب والتنظيم القضائي للمملكة، الشيء الذي لم يتحقق إلا بصدور القانون رقم 32.09، حيث أصبح الموثق يعين بدائرة نفوذ محكمة استئنافية ويمارس مهامه بمجموع تراب المملكة وذلك بموجب الفقرة الأولى من المادة 12 التي جاء فيها ما يلي" يمارس الموثق مهامه بمجموع التراب الوطني"

وتجدر الإشارة إلى أن المقتضيات السالفة المتعلقة بالإختصاص المحلي، تسري على الموثقين فحسب، ولا تشمل الأفراد حيث يبقون أحرارا في اللجوء إلى أي موثق يختارونه لتوثيق اتفاقاتهم.

الاختصاص الموضوعي للموثق

جاء في المادة 35 من القانون 32.09 ما يلي:" يتلقى الموثق ما لم ينص القانون على خلاف ذلك العقود التي يفرض القانون إعطائها الصبغة الرسمية المرتبطة بأعمال السلطة العمومية، أو التي يرغب الأطراف في إضفاء هذا الطابع عليها ويقوم ويقوم بإثبات تاريخها وضمان حفظ أصولها وبتسليم نظائر ونسخ منها".

يتضح جليا من خلال نص المادة أعلاه أن الموثق يختص طبقا للنصوص المعمول بها يتلقى العقود التي يحتم القانون إضفاء الصبغة الرسمية عليها  المرتبطة بأعمال السلطة العمومية كالبيوعات الواردة على العقارات أو الحقوق العينية المرتبطة بها طبقا لنص المادة  الرابعة من م ح ع أو تلك التي يرغب الأطراف في رسميتها.

 وهي جميع العقود التي لم يتطلب القانون ضرورة إضفاء الطابع الرسمي عليها، إلا أن أطرافها ارتأوا إلى جعلها رسمية.

وبالتالي يقوم الموثق بإثبات تاريخها وضمان حفظ أصولها وكذا تسليم نسخ منها وبالموازاة مع ذلك لا يسوغ للموثق أن يقوم مثلا بكتابة محرر يتعلق بالحالة المدنية أو توثيق عقد الزواج لكونها من اختصاص العدول المنتصبين للإشهاد وكذلك توثيق الطلاق والرجعة.

وتجدر الإشارة إلى أنه وبتوقيع الموثق على المحررات فإن العقد يكتسب الصبغة الرسمية المقررة في الفصول من 418 إلى 420 من ق ل ع، كما يقع أيضا ودائما تحت الاختصاص النوعي على عاتق الموثق حفظ وتسليم النظائر والنسخ إلى كل واحد من الأطراف.

الفقرة الثانية: اختصاص الموثق في إطار ق ل ع و م ح ع (المادة 4)

سنتناول هذه الفقرة عبر مستويين الأول سنخصصه لإختصاص الموثق في إطار ق ل ع والثاني ما يخص اختصاص الموثق في م ح ع.

إختصاص الموثق في إطار ق ل ع

يتضح هذا الإختصاص من خلال المادة 418 من ق ل ع التي جاء فيها: " الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون...."

فهذه المادة تلتقي مع ق 32.09 – المنظم لمهنة التوثيق – من حيث من أوكل لهم المشرع صلاحية تحرير العقود  مثلا المادة 35 من هذا القانون التي سبق الإشارة إليها في إطار الفقرة الأولى.

وكذلك المادتان 419 والمادة 420 في فقرتها الأولى من ق ل ع اللتان تؤكدان على هذا الإختصاص المتمثل في تحرير العقود والإشهاد على الإتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين.

1-  اختصاص الموثق في إطار م ح ع

سنتطرق لهذا الإختصاص من خلال المادة 4 من م ح ع التي جاء فيها :" يجب أن تحرر- تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابث التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك..."

فنجد أن الموثق الرسمي أصبح من بين الموكول لهم قانونا تحرير العقود العقارية أو إنشاء الحقوق العينية العقارية أو نقلها أو تعديلها. بعدما كان الفصل 489 من ق ل ع هو الذي حدد الشكل و كيفية تحرير البيوع العقارية،غير أن الجهة المخول لها تحرير العقود قد  حددت في المادة المذكورة اعلاه.

المبحث الثاني: المحررات الرسمية الصادرة عن الموثق

لدراسة هذا المبحث يجدر تناوله من خلال مطلبين بحيث سنعرض في المطلب الأول لمفهوم المحرر الرسمي وشروطه وسنخصص المطلب الثاني لخصائص المحرر الرسمي وأنواعه.

المطلب الأول: مفهوم المحرر الرسمي وشروطه

سنتطرق في الفقرة الأولى لدراسة مفهوم المحرر على أن نخصص الفقرة الثانية لشروطه.

الفقرة الأولى: مفهوم المحرر الرسمي

لقد عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية من خلال مقتضيات الفصل 418 من ق ل ع. إذ نص على ما يلي:" الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.

وتكون رسمية أيضا:

1)  الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم.

2)  الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوثائق التي تثبتها"

ويتضح من خلال هذا النص أن وصف الورقة بالرسمية هو نتيجة لتحريرها بمعرفة شخص له صفة رسمية ( موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة له صلاحية التوثيق).

وليس من الضروري أن تكون مكتوبة بخط يده، بل يكفي أن يكون تحريرها صادرا باسمه بشرط أن يوقعها بإمضائه.

الفقرة الثانية: شروط المحرر الرسمي

يشترط لكي تكتسب الورقة الرسمية طبقا للفصل 418 من ق ل ع المشار إليه في الفقرة الأولى ثلاث شروط هي:

1)   أن يقوم بكتابة الورقة موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة:

ولا يشترط أن يكون من موظفي الدولة بالذات، بل يكفي أن يكون موظفا بإحدى الهيئات التابعة لها، كما هو الحال بالنسبة لموظفي المجالس البلدية والمؤسسات العمومية ذات الشخصية المستقلة، ويتنوع الموظفون العامون بتنوع الأوراق الرسمية، فالموظف الذي يقوم بكتابة الأحكام هو القاضي في مهمته هو كاتب الضبط.

2)  أن يكون الموظف الذي قام بتحرير الورقة مختصا بتحريرها وله صلاحية التوثيق:

إذا لم يكفي لصحة الورقة الرسمية أن يقوم بتحريرها موظف عمومي، بل يجب فوق ذلك أن يكون هذا الموظف مختصا بكتابتها وله صلاحية التوثيق. ويكون الموظف مختصا بكتابة الورقة الرسمية إذا كان ذلك مما يدخل في عمله من حيث طبيعة الورقة ومن حيث مكانها.

ولا يوجد مانع قانوني يحول دون مباشرته لعمله، بحيث إذا نزع منه الإختصاص وقت تحرير الورقة وهو علم بذلك كانت الورقة المحررة باطلة والعكس صحيح.

أما فيما يتعلق بطبيعة الورقة، فيجب أن يكون الموظف العام أو الشخص الذي له صلاحية التوثيق مختصا  بتحرير الورقة وأن يكون هذا التحرير مما يدخل في عمله من حيث نوع الورقة. ذلك أن كل نوع من الأوراق الرسمية إنما يختص بتوثيق طائفة معينة من الأشخاص والموظفين، فالأحكام يصدرها القضاة والأوراق الرسمية الخاصة بالمعاملات والتصرفات المدنية والتجارية يختص بتحريرها الموثقون والعدول.

3)    أن يراعي الموظف الشكل الذي حدده القانون في تحرير الورقة

وهو يختلف بحسب أنواع الأوراق الرسمية وطبيعتها، ومؤدى ذلك أن تكون الورقة مستكملة لكل البيانات والأشكال التي أوجب القانون توفرها فيها، وتظهر أهمية هذا الشرط بصفة خاصة في الأوراق التي يقضي القانون بتوثيقها أمام الموثق إذ يتطلب شكلا خاصا وتدون فيها بيانات معينة، حتى تترتب عليها الآثار القانونية، ويصبح حجة على الناس كافة.

ونجد القانون يستلزم أوضاعا يجب مراعاتها في تحرير الأوراق الموثقة أو العقود الرسمية، ومنها أن تكون الورقة مكتوبة بلغة معينة وبخط واضح دون إضافة أو كشط.

المطلب الثاني: خصائص المحرر الرسمي وأنواعها  

يتميز المحرر الصادر عن الموثق بمجموعة من الخصائص (الفقرة الأولى) كما ينقسم إلى عدة أنواع حسب الفقه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: خصائص المحرر الرسمي

يتميز المحرر الرسمي الصادر عن الموثق بعدة خصائص يمكن إجمالها في النقط التالية:

- يعتبر حجة مطلقة بين المتعاقدين وفي مواجهة الغير.

- يكون خالي من الأخطاء والعيوب: باعتبار الموثق عارف بالنصوص القانونية المختلفة التي تلتقي بمهنة التوثيق.

-  يعطي ضمانة قوية للمتعاقدين، مثلا في حالة التأكد من الوضعية القانونية والهندسية للعقار والتأكد كذلك من هوية الأطراف من طرف الموثق الذي حرره.

- يعتبر سند تنفيذي ورسمي لا يطعن فيه إلا بالزور.

الفقرة الثانية: أنواع المحررات الرسمية

تنقسم المحررات الرسمية إلى أقسام وأنواع لا حصر لها ويمكن تبيانها في ما يلي:

1) محررات ذات طابع إداري: وهي التي تصدر عن موظف مختص كما هو الحال بالنسبة للولاة ورؤساء الدوائر والبلديات في إطار ممارسة الصلاحيات في دائرة الاختصاص والعقود المسجلة في سجلات عمومية كسجل الحالة المدنية.

2)  السندات القضائية والشبه قضائية: وهي المحررات الصادرة من القضاة في إطار مزاولتهم وظائفهم وهي الأحكام والقرارات والمحاضر المختلفة والمتعلقة بالإجراءات، بالإضافة إلى ما يصدره المحضرون القضائيون وما يصدر عن كاتب الضبط أثناء ممارستهم لمهامهم، فهي أوراق رسمية.

3) الأوراق والمحررات التوثيقية: وهي السندات الصادرة عن الموثق بطلب من الأطراف وكذلك المحررات الصادرة عن موظفي السلك الديبلوماسي، فكلها وثائق ومحررات رسمية. 

الفصل الثاني: حجية المحرر المنجز من طرف الموثق

تتمتع المحررات المستجمعة لكافة الشروط القانونية بقرينة الرسمية، تجعلها حجة بذاتها دون حاجة إلى الإقرار. وقرينة الرسمية هذه تعفي من يتمسك بالمحرر من عبء إثبات رسميته، كما أن هذه القرينة ليست قاطعة، بل يجوز إثبات عكسها عن طريق الإدعاء بالزور.

ويرجع سبب هذه الحجية إلى الثقة والكفاءة اللتين يتمتع بهما الموثق، الذي يخضع لقوانين قاسية في حالة صدور تزوير أو تحريف للوثائق من طرفه.

وعليه سنقسم هذا الفصل إلى مبحثين، المبحث الأول سنتناول فيه حجية المحرر الصادر عن الموثق بين أطرافه وعلى الغير على أن نخصص المبحث الثاني للحديث عن الطرق القانونية للطعن في هذه المحررات.

المبحث الأول: حجية المحررات الصادرة عن الموثق بين أطرافها وعلى الغير

إن الحجية التي يتمتع بها المحرر الرسمي المنجز من طرف الموثق لا تسري على الأطراف فحسب بل على الأغيار كذلك وعليه سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين، بحيث سنتناول في الأول منها حجية هذا المحرر بين أطرافه على أن نخصص المطلب الثاني للحديث عن هذه الحجية على الأغيار.  

المطلب الأول: حجية المحرر الرسمي بين الأطراف

ويفيد ذلك أن المحرر بعد صدوره من طرف الموثق وكونه محترما لجميع الضوابط القانونية في تحريره لا يمكن للأطراف بعد ذلك إنكار التوقيعات أو المعطيات التي يحتويها هذا المحرر باعتباره حجة قاطعة على حصول التعاقد بينهم، تماشيا مع ما جاء به الفصل 420 من ق.ل .

ومما تجدر الإشارة إليه ضرورة حضورية الموثق بحيث ترتبط هذه الأخيرة بمدى حجية المحرر الذي تكون له حجية عادية في حالة انعدام هذه الحضورية.

المطلب الثاني: حجية المحرر الرسمي في مواجهة الغير

نص المشرع المغربي على هذه الحجية في إطار مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 419 من ق ل ع، حيث جاء فيها أن: "الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره، وذلك إلى أن يطعن فيه بالزور".

وبهذا فحجية هذا المحرر تشمل إلى جانب أطرافه، الغير أيضا من حيث السريان. أي أن هذا الأخير لا يمكنه تكذيب معطيات الورقة الرسمية إلا من خلال سلوك طريق وحيد وهو الطعن فيها بالزور.

وفي هذا السياق أورد الدكتور عبد المجيد بوكير بأنه" إذا حصل وأن باع شخص مدين دارا بتوثيق رسمي وادعى الدائن أن هذا البيع الرسمي لم يصدر من مدينه ليتمكن بذلك من تنفيذ حقه على الدار المبيعة، فإنه والحالة هاته لا يستطيع إنكار ما ورد بالمحرر الرسمي من بيانات قام بها الموثق في حدود مهنته أو وقعت من ذوي الشأن بحضوره، فصدور البيع من المدين إلا أن يدعي الزور، لان حجية وثيقة البيع الرسمية حجة ثابتة وقاطعة على الغير الذي هو الدائن في هذا الفرض مثلما هي الحجة على المدين (البائع) وعلى المشتري.

غير أن الدائن (الغير) يستطيع في هذا الفرض إنكار البيع في ذاته الذي أثبته الموثق دون مساس أو تعرض لأمانة هذا الموثق أو صدقه بادعاء صورية البيع الصادر من مدينه ويتمتع في ذلك بحرية الإثبات.

المبحث الثاني: الطرق القانونية للطعن في المحررات الرسمية

يعتبر الموثق موظفا عموميا، تعينه الدولة لتوثيق اتفاقات الأطراف وتصرفاتهم، ويفترض فيه وهو يقوم بهذه المهمة، النزاهة والاستقامة، وهذا ما جعل المشرع يضفي وصف الرسمية على البيانات والتصريحات الصادرة عنه، بصدد وقائع تمت بمحضره، ومن تم تعتبر حجة قاطعة. لا يسوغ إثبات ما يخالفها إلا بدعوى التزوير، لأن الطعن فيها يعتبر مسا بشرف هذا الموثق وبكرامته.

وبالتالي يكون على من يريد دحض حجية الورقة الرسمية المعدة من طرف الموثق التي خاطب عليها قاضي التوثيق أن يطعن فيها اعتمادا على الأسباب الواردة في المادتين 352 و 353 من ق ج.

وعليه سنقسم هذا المبحث في دراسته إلى مطلبين بحيث سنخصص الأول إلى الحديث عن مفهوم التزوير في الأوراق الرسمية، على أن نتناول في المطلب الثاني الوسائل التي يعد ارتكابها من طرف الموثق تزويرا.

المطلب الأول: مفهوم التزوير في المحررات الرسمية وأنواع الدعاوى المتعلقة به

لدراسة هذا المطلب يجدر أولا التطرق لمفهوم التزوير في المحررات الرسمية (الفقرة الأولى) ثم إلى أنواع الدعاوى المتعلقة  به (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم التزوير في المحررات الرسمية وأنواع الدعاوى المتعلقة به

عرف القانون الجنائي المغربي التزوير في المحررات في المادة 351 حيث جاء فيه أن "تزوير الأوراق هو تغيير الحقيقة فيها بسوء نية، تغييرا من شانه أن يسبب ضررا متى وقع في محرر بإحدى الوسائل المنصوص عليها في القانون"

كما عرفه الدكتور أحمد فتحي سرور، بكونه تغييرا للحقيقة بإحدى الطرق المقررة في القانون، بقصد الغش في محرر يحميه القانون.

الفقرة الثانية: أنواع الدعاوى المتعلقة بالتزوير في المحررات الرسمية

تتجلى هذه الدعاوى في كل من دعوى الزور الأصلية ودعوى الزور الفرعية.

1-   دعوى الزور الأصلية

نكون أمام دعوى الزور الأصلية عندما ترفع دعوى مبتدئة ولأول مرة في محرر رسمي بهدف الطعن فيه بغية منع الشخص الذي يجوزه من استعماله فيما يرجع بالضرر على المدعي.

وسميت بدعوى الزور الأصلية لأنها ليست متفرقة أو تابعة لأي دعوى أخرى وهي تخضع بذلك للإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية وكذا المواد من 584 إلى 586 من قانون المسطرة الجنائية، والجدير بالذكر أن دعوى الزور الأصلية إما أن تكون مدنية أو جنائية.

2-   دعوى الزور الفرعية

3-   إن موضوع دعوى الزور الفرعي هو إبطال مفعول مستند في دعوى قائمة فعلا أمام المحكمة. وهذا الطلب لا يأخذ شكل دفع يثيره المحتج ضده بهذا المستند بل هو طعن يجب أن يقدم في صورة دعوى عرضية.

المطلب الثاني: الوسائل التي يعد ارتكابها من طرف الموثق تزويرا

يستوجب إبراز الوسائل التي يعد ارتكابها من طرف الموثق تزويرا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتان بحيث سنتناول في الأولى الوسائل الواردة في المادة 352 وسنخصص الثانية للوسائل المنصوص عليها في المادة 353 من القانون الجنائي.

الفقرة الأولى: الوسائل الواردة في المادة 352 من ق ج.

يتبين من المادة 352 من القانون الجنائي، أن المشرع المغربي أورد مجموعة من التصرفات التي من خلالها يقوم القاضي أو الموظف العمومي أو الموثق أو العدول بارتكاب جريمة التزوير المعاقب عليها بالسجن المؤبد، حيث نص على مجموعة من الوسائل كوضع توقيعات مزورة،، أو تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع؛ أو وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين، أو كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية، بعد تمام تحريرها أو اختتامها.

الفقرة الثانية: الوسائل الواردة في المادة 353 من ق ج.

إضافة إلى المادة أعلاه نجد المادة 353 من ق ج. التي وبدورها تعاقب بالسجن المؤبد الأشخاص السالف ذكرهم متى قاموا أثناء تحريرهم لورقة متعلقة بوظيفتهم وبسوء نية بتغيير في جوهر أو ظروف المحررات الصادرة عنهم وذلك عبر الوسائل الآتية:

·       كتابة اتفاقات تخالف ما رسمه أو أملاه الأطراف المعنيون

·       إثبات صحة وقائع يعلم أنها غير صحيحة

·       إثبات وقائع على أنها اعتراف بها لديه أو حدثت أمامه بالرغم من عدم حصول ذلك.

·       حذف أو تغيير عمدي في التصريحات التي يتلقاها.


الخاتمة:

تأكيدا لما سبق ذكره فإن تناول كل المعطيات الواردة في العرض من طريقة تعيين الموثق ومختلف المراحل التي يتم وجوبا المرور بها قبل ولوجه لهذه المهنة، والحضور الملاحظ للدولة أثناء هذه المراحل، وحتى بعد تعيين الموثق من خلال الرقابة القضائية، إضافة إلى نوع الطعن المقرر لمن يريد الطعن في هذه المحررات (الطعن بالزور الأصلي)، يؤكد لنا على القوة الثبوتية لهذه المحررات،

ومن هنا يتبدى لنا الدور الفعال للمحرر الرسمي في ضمان حقوق المتعاقدين وحمايتها من الضياع .

 

لائحة المراجع:

الكتب:

Ø    إدريس العلوي العبدلاوي: " القواعد الموضوعية والشكلية للإثبات في التشريع المدني المغربي " الطبعة الأولى س 1977

Ø    سعيد كوكبي:" الإثبات وسلطة القاضي في الميدان المدني" دراسة بين الفقه الإسلامي والقانون المغربي س 2005،

Ø    سليمان مرقس "موجز أصول الإثبات في المواد المدنية"، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1957

Ø    عبد المجيد بوكير:" التوثيق العصري المغربي" الطبعة الأولى مطبعة دار السلام س  2006

Ø    عبد المنعم فرج الصدة: "الإثبات في المادة المدنية الطبعة الثانية نشر مكتبة ومطبعة مصطفى البابلي الحلبي وأولاده 1955

Ø    محمد الربيعي:" الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم"، دراسة في ضوء مستجدات قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة وقانون 32.09 المتعلق بالتوثيق، نشر وتوزيع مكتبة المعرفة- مراكش، ط. الثانية 2015

Ø     محمد الربيعي، الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم، دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتوثيق العرفي. الطبعة الأولى، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، 2008

الأطاريح:

Ø    أطروحة لنيل الدكتوراه، الجيلالي أبو حبص تحت عنوان:" النظام القانوني لإقتناء سكن في المدار الحضري" سنة 2008

النصوص القانونية:

Ø    قانون 32.09 المنظم لمهنة التوثيق

Ø    قانون الالتزامات والعقود

Ø    قانون 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية

Ø    القانون الجنائي

الفهرس:

المقدمة: 1

الفصل الأول: المحددات التشريعية في الموثقين العصريين على ضوء ق 32.09. 3

المبحث الأول: صفة الموثق الذي أوكل له المشرع حق توثيق العقود 3

المطلب الأول: طريقة التعيين. 3

الفقرة الأولى: الأهلية العلمية. 4

الفقرة الثانية: إلزامية التصرف.. 4

الفقرة الثالتة:  أداء اليمين. 4

الفقرة الرابعة: الرقابة القضائية. 4

المطلب الثاني: الإطار القانوني لدائرة مهام واختصاص الموثق. 5

الفقرة الأولى: اختصاص الموثق على مستوى قانون 32.09. 5

الفقرة الثانية: اختصاص الموثق في إطار ق ل ع و م ح ع (المادة 4) 7

إختصاص الموثق في إطار ق ل ع. 7

المبحث الثاني: المحررات الرسمية الصادرة عن الموثق. 8

المطلب الأول: مفهوم المحرر الرسمي وشروطه. 8

الفقرة الأولى: مفهوم المحرر الرسمي. 8

الفقرة الثانية: شروط المحرر الرسمي. 9

المطلب الثاني: خصائص المحرر الرسمي وأنواعها 10

الفقرة الأولى: خصائص المحرر الرسمي. 10

الفقرة الثانية: أنواع المحررات الرسمية. 11

الفصل الثاني: حجية المحرر المنجز من طرف الموثق. 12

المبحث الأول: حجية المحررات الصادرة عن الموثق بين أطرافها وعلى الغير. 12

المطلب الأول: حجية المحرر الرسمي بين الأطراف.. 12

المطلب الثاني: حجية المحرر الرسمي في مواجهة الغير. 13

المبحث الثاني: الطرق القانونية للطعن في المحررات الرسمية. 14

المطلب الأول: مفهوم التزوير في المحررات الرسمية وأنواع الدعاوى المتعلقة به. 14

الفقرة الأولى: مفهوم التزوير في المحررات الرسمية وأنواع الدعاوى المتعلقة به. 14

الفقرة الثانية: أنواع الدعاوى المتعلقة بالتزوير في المحررات الرسمية. 15

المطلب الثاني: الوسائل التي يعد ارتكابها من طرف الموثق تزويرا 15

الفقرة الأولى: الوسائل الواردة في المادة 352 من ق ج. 16

الفقرة الثانية: الوسائل الواردة في المادة 353 من ق ج. 16

الخاتمة: 17

لائحة المراجع: 18

الفهرس: 20

 

 

 

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال