عرض بعنوان: السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب

 

عرض بعنوان:  السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب

السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب

مقدمة

     من المعروف أن أغلب التشريعات الوضعية تتناول حياة الفرد والجماعة والدولة وما يتعلق بحق الأفراد نحو بعضهم ونحو المجتمع والدولة. ولقد تطرق التشريع المغربي كغيره من التشريعات الموضوعة من طرف الإنسان التي اتخذت من رعاية الأحداث سبيل توفير وقايتهم، وذلك بتقرير حقوق لهم في الرعاية المادية والأدبية لأجسامهم وأرواحهم وعقولهم، وتماشيا مع هذا المنهاج نجد المشرع المغربي اهتم بمظاهر حماية حقوق الحدث في نزاع مع القانون اثناء وضع سیاسته الجنائية ، اقتداء باتساع رحاب الدين الاسلامي و القوانين الوضعية الوطنية والدولية، فالدين الاسلامي كان هو السباق بوضع قواعد أوسع وأعم من القواعد القانونية الوضعية ، فالشريعة الإسلامية اهتمت قبل الشرائع الوضعية بالجانب الوقائي عن طريق إحكام تربية النشء، فإن وقع في المحظور وانحرف الحدث لقصور في تربيته نشأت موجبات التهذيب والتأديب علاجا لحالته وإصلاحا لسلوكه حتى يعود إلى جادة الاستقامة والصواب.

     ولقد اعتنى الإسلام بالطفل قبل وجوده عن طريق اختيار الزوجة الصالحة، وأقر له حقوقا وهو في بطن أمه، ويكفل الإسلام للصغير حق الحضانة الأمينة المستقرة، وتعني الحضانة العناية بالطفل من حيث نظافته ومأكله ومشربه وملبسه وراحته بصفة عامة، والحق في تربية شاملة، وأوجب على الآباء تعليم أولادهم وأتاح لهم ذلك التعليم مجانا وعممه إلزاميا وجعله أسلوبا للتربية والتهذيب والنفع العام، ولا مجال لذكر مزايا التعليم ودوره في منع الجنوح لدى الأحداث الذين لا يكونون إلا أميين أو غادروا المدرسة في غالب الأحيان أو مصابين بأمراض عقلية أو نفسية.

     فمع تطور العشيرة والقبيلة نتيجة لتصادم المصالح والتنافس من أجل إشباع الحاجات، ومما ساعد على بقائها واستمرارها ما يلازم طبيعة الأفراد من نقائص وعيوب فطرية أو مكتسبة

فأمام ما يسود المجتمع من اختلال في النظم واضطراب في الحياة الاجتماعية ولاسيما انخفاض مستوى المعيشة لدى شريحة عريضة من المجتمع، وفقدان العدالة في توزيع الخيرات والثروات. ويضاف إلى ذلك ما نلاحظ من عجز الحكومات عن معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية القائمة، ومن ثم أصبحت البشرية تسعى إلى تحقيق العدالة الجنائية، وهو ما أفرز تراثا ضخما غنيا ممتدا في الزمان والمكان، بمدارسه الفكرية ونظرياته الفقهية وعلومه الجنائية وتشريعاته التطبيقية ، إلا أن ما يميز العصر الحديث عن غيره من العصور هو تزايد الجريمة والانحراف بسرعة منذرة بالخطر، مما يجعل من محاولات الوقاية منها والحد من انتشارها مطلبا إنسانيا واجتماعيا ملحا ، وعلى الرغم من التطورات التي حققها الإنسان في جميع المجالات فإنه لا زال يعاني من الجريمة واستفحالها، بل يمكن القول أن هذا التطور قد خلق أنماطا جديدة من الجرائم ارتبطت بفئة القاصرين، حيث أصبح انحراف الأحداث ظاهرة حديثة اقترن ظهورها في المجتمعات المعاصرة بالانقلابات الصناعية والتقنية وتطور البنيات الاقتصادية والاجتماعية بجانب وسائل الإعلام والمواصلات والعولمة.

و لمحاولة تشخيص هذه الظاهرة تطرح أزمة المجتمع برمته، على اعتبار أن عواملها متداخلة ومتشعبة وأن أسباب حدوثها تتواجد على مختلف المستويات الاجتماعية بدءا بالأسرة فالمدرسة فالواقع الاجتماعي بجميع جوانبه الاقتصادية والثقافية

فإذا كانت المجتمعات القديمة تعتبر الحدث المنحرف مجرما فإن المجتمعات الحديثة أدركت بما لا يدعو مجالا للشك أن الأحداث غالبا هم ضحية ظروف اجتماعية أدت بهم إلى الانحراف وسوء التكيف ، وأصبح الاتجاه السائد في مجال علم الإجرام هو حماية الحدث الجانح واستبعاد العقوبة اتجاهه وإحلال التدابير التهذيبية محلها والتي ترمي إلى صقل شخصية الحدث وإصلاحه باعتبار ظاهرة دخول الحدث في نزاع مع القانون هي ظاهرة اجتماعية تستوجب الوقاية والإصلاح والرعاية عن طريق تدابير تقويمية ، ومن ثم ظهرت المؤسسات الإصلاحية الخاصة بالأحداث المنحرفين في الغرب على إثر الثورة الصناعية في محاولة للحد من آثار التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عنها العديد من المشاكل الاجتماعية كالهجرة القروية وتشغيل الأطفال والنساء، وتشرد الأطفال وجنوحهم، كل هذا دفع بالمسؤولين في الدول الغربية الصناعية إلى إنشاء مؤسسات إصلاحية تعنى بالأحداث الجانحين لتجنيب اختلاطهم بالسجناء الكبار ومعاملتهم بشكل تربوي تهذيبي، لا كمجرمين يستحقون العقاب.

     و بالنظر لتبعية معظم دول العالم الثالث، بما فيها الدول العربية إلى الدول الصناعية الاستعمارية، فقد تم نقل نظام هذه المؤسسات إلى الدول المستعمرة سابقا، وبذلك جاءت نشأتها غريبة عن الإطار الثقافي السائد في دول العالم الثالث.

أهمية الموضوع:

     بما أن الجريمة كانت ولا تزال ظاهرة اجتماعية تكثر وتتطور تتعقد أشكالها وتتنوع وسائلها مع تقدم المجتمعات، ومع الثورة التكنولوجية والتقنية في العصر الحاضر أخذت ظاهرة الإجرام بعدا دوليا وأصبحت عابرة للدول و القارات،الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في الوسائل التقليدية لآليات العدالة الجنائية وفي القواعد المنظمة للتجريم والعقاب باعتبارها الأدوات الهامة للسياسة الجنائية.

     ففي المغرب، مرت السياسة الجنائية بمراحل فقبل الحماية كانت الشريعة الإسلامية هي المطبقة، ومع دخول الحماية ، تميزت السياسة الجنائية الاستعمارية بتمتيع الفرنسيين والأجانب بعدالة جنائية ،مددت مقتضيات القانون الجنائي لتطبق على الفرنسيين والأجانب بالمغرب، وبإخضاع المغاربة إلى نظام العرف بالقبائل ذات العرف البربري وإحداث المحاكم المخزنية والعرفية من جهة أخرى .

   وبعد الاستقلال عرفت السياسة الجنائية عدة محطات ومرت بفترات مد وجز. وإذا كان قانون المسطرة الجنائية لسنة 1959 خص الأحداث بقواعد موضوعية و إجرائية خاصة ، فإنه سرعان ما تم التراجع عنها بظهير الإجراءات الانتقالية ، مع مطلع التسعينات من القرن الماضي ، ومصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان حيث قام المشرع المغربي سنة 2002 تعديل جوهري لمقتضيات المسطرة الجنائية ، وخص الأحداث بقواعد موضوعية وإجرائية، كما نص في المادة 51 من القانون المسطرة الجنائية على إشراف وزير العدل على تنفيذ السياسة الجنائية وتبليغها إلى الوكلاء العامين للملك الذين يسهرون على تطبيقها، لكن مع دستور 2011 وبالأخص مع استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية أصبح الوكيل العام لدى محكمة النقض هو المسؤول على تنفيذ السياسة الجنائية تحت لواء مؤسسة رئاسة النيابة العامة في ظل دولة مغربية حديثة وملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان وحرياته.

     لذلك فإن معظم التشريعات المقارنة دأبت على حماية وتوفير العناية للوقاية من جنوح الأحداث، عن طريق إقرار مجموعة من التدابير لمساعدتهم وإعادة تربيتهم من جديد، لإعادة إدماجهم داخل المجتمع، ولمعالجة هذه الآفة قامت عدت دول بعدة تجارب ، وفق ما أقرته شريعتنا السمحاء و الاتفاقيات الدولية التي تهتم بالأطفال، وفي هذا الصدد، أقر المشرع المغربي التعديل في مسودة المسطرة الجنائية بمجموعة من التدابير الحمائية للأحداث:

• إمكانية حضور المحامي خلال الاستماع إلى الحدث من طرف الشرطة القضائية (المادة 460).

• تفقد السجون ومراكز الملاحظة شهريا من طرف النيابة العامة أو الموظفين المكلفين بالمساعدة الاجتماعية (المادة 461).

• التأكيد أن محاكمة الأحداث لا تكتسي طبيعة عقابية، وأن الأجهزة القضائية تراعي المصلحة الفضلى للحدث في تقدير التدبير الملائم له المادة (1-462).

• منع إيداع الحدث الذي يقل عمره 15 سنة في المؤسسات السجنية المادة (473).

•إسناد مهمة إجراء الأبحاث الاجتماعية للمساعدات الاجتماعية بخلايا التكفل بالنساء و الأطفال بالمحاكم (المادة 474).

• ضرورة تعليل قرارات إيداع الحدث الذي يتجاوز 15 سنة في اشتراط ضرورة بيان الأسباب التي تحول دون تطبيق تدابير الحماية (المادة 480)

• إمكانية تغيير العقوبة السالبة للحرية بالعمل لفائدة المنفعة العامة المادة (482).

• تعيين قاضي الأحداث من طرف الجمعية العمومية للمحكمة المادة(485)

• إمكانية استبدال العقوبة المحكوم بها في حق الحدث من طرف أخر هيئة قضائية نظرت فيها بتدابير تربوية المادة (501).

• تمديد الحماية المكفولة للأطفال الموجودين في وضعية صعبة إلى حين بلوغهم 18 سنة المادة (517).

 صعوبات الموضوع:

    تعتبر ظاهرة جنوح الأحداث من الظواهر التي لا تخلو من صعوبات وذلك يعود بالأساس إلى أن هذا الموضوع يفرز إشكالية الحديث عن ظاهرة جنوح الأحداث لتعدد استعمال كلمة جنوح بأشكال مختلفة، سواء من طرف المفكرين أو من طرف المحاكم، ونظرا لأهمية ضبط مفهوم الحدث الجانح أو جنوح الأحداث، أو الحدث في نزاع مع القانون فإننا سنركز على مختلف التعاريف من خلال الوقوف على أهم الجوانب والتفسيرات وذلك عند الحديث عن المحددات النظرية الجنوح الأحداث، فهي محل جدل ونقاش ما جعلها عرضة بصفة مستمرة لتعديلات متوالية لسد الثغرات التي قد تظهر

إشكالية العرض:

      إن إشكالية جنوح الأحداث تعتبر من أخطر المشكلات التي تعرفها وتعاني من ويلاتها كل الدول والمجتمعات الحديثة، وهو ما جعل التشريعات تلجأ إلى تحديدها وضبط كل جوانبها من تحديد سن الرشد الجنائي إلى وضع التشريعات الزجرية الرادعة لها مرورا باعتماد التدابير العلاجية والوقائية، سعيا وراء اجتثاث جذور هذه المشكلة، زيادة على كل هذا فالظاهرة معروفة علميا وتثير فضول الباحثين والأخصائيين على حد سواء وانطلاقا مما سبق ما هي مردودية السياسة الجنائية المغربية في مجال حماية حقوق الحدث الجانح في المغرب ؟ وما هي المحددات النظرية والتشريعية لجنوح الأحداث؟

منهج تصميم العرض:

     عن هذه الإشكاليات، سنعالج الموضوع من خلال التصميم التالي، دراسة نظرية جنوح الأحداث المبحث الأول) تم المقتضيات القانونية ودورها في حماية الحدث الجانح في التشريع المغربي (المبحث الثاني).

رابط تحميل اضغط علي هنا (PDF)       هنا 

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال