بحث الإجازة بعنوان: مسؤولية المحامي في التشريع المغربي



بسم الله الرحمن الرحيم

السلام ورحمة الله تعالى وبركاته  تحية طيبة لزملائي الطلبة و الطالبات

بحث الإجازة بعنوان: 

مسؤولية المحامي في التشريع المغربي

مسؤولية المحامي في القانون المغربي

 مقدمة 

منذ خلق الإنسان وهو مسؤول عن تصرفاته، سواء نحو خالقه أو نحو غيره من الخلق، أو نحو نفسه، فظهرت الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لتنظيم ذلك السلوك بكل أنواعه في الزمان والمكان. وجزاء مخالفة تلك الضوابط إما أخروي أو دنيوي، وفي الحالة الأخيرة، إما يقتصر الجزاء على مجرد الاستنكار من لدن الغير أو تأنيب الضمير من الفاعل، وإما أن ينصب الجزاء على الشخص نفسه أو على أصوله.

والشريعة الإسلامية التي انفردت بشموليتها، نظمت الفرد ودنياه، واقتصرت القوانين الوضعية على الجانب الدنيوي عن طريق سن قواعد ملزمة، يعتبر كل إخلال بها موجبا للمسؤولية "القانونية"، متى لحق أحد الأفراد أو المجتمع ضرر مادي أو معنوي.

وقد قسمت المسؤولية القانونية في عرف "القانونيين" إلى مسؤولية جنائية ومسؤولية مدنية، وهذه الأخيرة إلى مسؤولية تقصيرية وأخرى عقدية.

فالمسؤولية المدنية عرفت تطورا كبيرا في القوانين الحديثة، ومنها القانون المغربي، يقوم مبدأ المسؤولية عن تعويض الضرر الحادث للغير، مبدءا عاما، لا يتضمن حصرا للأفعال التي تؤدي إلى شغل هذه المسؤولية بل يعني أن كل فعل خاطئ يوجب التزام من وقع منه، بتعويض الضرر المترتب عليه، كما يجعل أساس الالتزام بالتعويض، الخطأ الذي ينسب إلى المسؤولية، والذي يترتب عليه ضرر للغير، ولم ينشأ مبدأ المسؤولية بهذه الصورة العامة في القوانين القديمة، حيث كانت الأفعال الموجبة للمسؤولية محددة على سبيل الحصر، وكانت تترتب عليها مسؤولية تختلط فيها فكرة العقوبة بفكرة التعويض (اختلاط المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية)، كما أن المسؤولية لم تكن تناط دائما بخطأ المسؤول، بل كانت تنشأ في كثير من الأحيان لمجرد وقوع الفعل الضار، وقد تحقق التطور الذي لحق بقواعد المسؤولية في القوانين القديمة، ليصل بها إلى المبدأ العام للمسؤولية في القوانين الحديثة. في نواحي عدة يمكن إجمالها فيما يلي: 

أولا: الفصل بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية، بحيث صار الجزاء المترتب على قيام المسؤولية المدنية هو الإلزام بتعويض الضرر، لا توقيع العقاب على المسؤول.

ثانيا: الاتجاه إلى التوسع في تحديد الأفعال الموجبة للمسؤولية المدنية (بعد أن استقلت عن الأفعال التي تعتبر جرائم تنشأ عنها المسؤولية الجنائية)، حتى انتهى الأمر إلى اعتبار كل فعل ضار سببا لقيام المسؤولية، ولم يعد بيان الأفعال الموجبة للمسؤولية المدنية عن طريق تعدادها وحصرها في القانون.

ثالثا: تأكيد اعتبار الخطأ أساسا للمسؤولية، بحيث يعتبر الفعل الضار سببا في مسؤولية مرتكبة إذا أمكن وصفه بأنه خطأ من جانب المسؤول، فلم يعد شرط للمسؤولية هو مجرد حدوث ضرر من الفعل دون استلزام لتوافر وصف الخطأ في هذا الفعل.

ولعل من أبرز العوامل التي ساهمت مباشرة في هذا التطور يتمثل في زيادة الأنشطة الجماعية، حيث نشاهد منذ منتصف القرن 19، وبمعدل تتصاعد سرعته باستمرار ظهور مجموعات تنشر نشاطها في نطاقات كبيرة ومتنوعة، كما يتباين تكوينها القانوني، بعضها تم منحه الشخصية القانونية، مثل الشركات والجمعيات والنقابات. بينما يرتبط البعض الآخر بفكرة المشروع (l'entreprise)، فضلا عن ظهور أشكال أخرى للتعاون تحلق فوق الأفراد الذين يرتبطون فقط بنشاط مشترك، مثل الفريق الطبي، وفريق البحث، دون أن يكون لها شخصية قانونية مستقلة. ومن الطبيعي أن ظهور هذه الجماعات قد أثر على نسبة المسؤولية إلى شخص معين، وشجع القضاء على قبول فكرة توزيع نتائج النشاط الضارة، بين كل الأعضاء الذين تتم مقاضاتهم جماعيا، ومع ذلك، فإن هذا النشاط الجماعي قد صعب من مهمة تحديد الفرد المتسبب في الضرر، ولذلك، فإن هذا النشاط الجماعي شجع إمكانية عدم تحديد هذا الفرد، واتجه بدلا من ذلك إلى تحويل وظائف المسؤولية المدنية من ردع الأخطاء، كي تنحاز إلى جبر الأضرار، أي أنه أعطى الأولوية للوظيفة التعويضية على حساب الوظيفة الرية.

وبالنسبة للقانون الفرنسي فقد تطورت أحكام المسؤولية في القانون الفرنسي القديم إلى الصورة التي انتقلت إلى القانون الفرنسي الحديث، فقد تقرر في القانون الفرنسي القديم مبدأ الالتزام بتعويض الضرر الذي يحدث بأي فعل يوصف بأنه خطأ، أي صار كل فعل أساسا لالتزام مرتكبه بالتعويض كما لزم أن يكون هذا الفعل خطأ، حتى تترتب عليه مسؤولية من صدر منه. ومن ناحية أخرى، فقد اعتبر الالتزام المترتب على الفعل الضار التزاما مدنيا لا تدخله فكرة العقوبة فتحقق الفصل بين المسؤولية والمسؤولية الجنائية.

وبغض النظر عن التطور التاريخي، فإن المسؤولية المدنية هي التزام شخص بتعويض عن ضرر ألحقه بالغير، سواء كان هذا الالتزام محددا في نصوص أو غير محدد، وهي عقدية إذا وقع الإخلال بعقد قائم بين المخطئ والمتضرر. وتقصيرية إذا وقع الإخلال بالتزام قانوني عام، يوجب عدم إلحاق ضرر بالغير سواء كان هذا الإخلال عمدا أو غير عمد، وبتعبير آخر فإن المسؤولية العقدية هي تلك التي تترتب على عدم تنفيذ الالتزام الناشئ عن العقد على الوجه المتفق عليه فيه، كمسؤولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، ومسؤولية البائع الذي يتصرف في المبيع بعد البيع، عن عدم نقل ملكيته إلى المشتري، والمسؤولية التقصيرية هي تلك التي تقوم على إلزام القانون بتعويض الضرر الذي ينشأ دون علاقة عقدية بين المسؤول عنه والذي كان ضحيته أو وفقا لتعبير الفقه المصري، التي تنشأ عن الإخلال بالتزام فرضه القانون كمسؤولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنسانا أو بتلف مالا.

ونتج عن المسؤوليتين فروق في التنظيم القانوني أهمها:

(1)التضامن: في المسؤولية المدنية التضامن لا يثبت إلا إذا اتجهت إليه صراحة إرادة المتعاقدين، أما المسؤولية التقصيرية فالتضامن ثابت بحكم القانون.

(2)الإعفاء الاتفاقي من المسؤولية: في المسؤولية التعاقدية يجوز الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية أو التخفيف منها فيما عدا حالة الغش والخطأ الجسيم وعلى العكس لا يجوز ذلك في المسؤولية التقصيرية.

(3)التقادم: تتقادم دعوى المسؤولية العقدية بخمسة عشرة سنة طبقا للقاعدة العامة في التقادم (ف 387 ق.ل.ع)  أما دعوى المسؤولية التقصيرية، فتتقادم بثلاث سنوات (ق 85 مكرر) أو بخمس سنوات (الفصل 106 من ق.ل.ع).

وتتفق المسؤولية العقدية كصورة من صور المسؤولية المدنية أساسها العقد، ومع المسؤولية المدنية غير القائمة على العقد (المسؤولية القائمة على الفعل الضار أو المسؤولية التقصيرية) في أركانها، فليزم لقيامها توافر الخطأ من المسؤول، والضرر لدى طالب التعويض، وأن يكون هذا الضرر ناتجا من الخطأ (علاقة السببية)، ولكن المسؤولية العقدية لها، بسبب طبيعة الأساس الذي تقوم عليه وهو الالتزام الإرادي (أو الالتزام بالعقد)، أحكام خاصة تتميز بها عن المسؤولية التقصيرية في بعض المسائل، كما في تحديد معنى للخطأ الموجب للمسؤولية أو مدى الضرر الذي يجب تعويضه، وكذا في جواز الاتفاق على إعفاء المدني من هذه المسؤولية. ومع ذلك فالفقه يجري على دراسة أحكام المسؤوليتين العقدية والتقصيرية معا، كصورتين للمسؤوليتين المدنية، بمناسبة الكلام عن الفعل الضار كمصدر للالتزام بالتعويض، حيث تجري المقارنة بين قواعد المسؤولية العقدية وقواعد المسؤولية التقصيرية فيما يكون بينهما من خلاف.

وقد تم النص على المسؤولية التقصيرية في الفصول 77 و78 من ق.ل.ع، فقد نص الفصل 77 ق.ل.ع على أن "كل فعل ارتكبه إنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له به القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض بعض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر، وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر".

ونص الفصل 78 ق.ل.ع "أن كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا بفعله فقط، ولكن بخطأه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر".

أما المسؤولية العقدية فنجد سندها خاصة في الفصول 230 و231 و259 و263 ق.ل.ع.

تجدر الإشارة إلى أنه قد تتوافر في فعل واحد شروط المسؤولية العقدية وشروط المسؤولية التقصيرية في آن واحد، مثل ذلك أن يخطئ الناقل فتتلف الأشياء المنقولة، فيكون قد أخل بالتزامه العقدي للمحافظة على الأشياء، كما تكون قد توافرت شروط المسؤولية التقصيرية طبقا للفصل 77 من ق.ل.ع، ويثار في مثل هذه الحالة البحث في مسألتين: الجمع بين المسؤوليتين والخيرة بينهما.

أما المسألة الأولى، فلا خلاف في شأنها، فلاشك أنه لا يجوز للمضرور أن يرفع دعوى المسؤولية العقدية ويتقاضى تعويضا، ثم يرفع دعوى المسؤولية التقصيرية ويتقاضى تعويضا آخر، لأنه لا يجوز تقاضي تعويضين عن ضرر واحد، وكذلك لا يجوز الجمع بمعنى أنه يختار من شروط كل من الدعوتين ما يحقق مصلحته إما المسؤولية التقصيرية وإما العقدية.

أما المسألة الثانية، وهي مسألة الخيرة فقد اختلف الرأي حول هذه القضية مع العلم أن الرأي الراجح لا يسمح بالخيرة خشية إهدار توازن العقد، والخروج بالالتزام العقدي عن الحدود المرسومة له في التشريع والاتفاق.

 لتحميل العرض المرجو الضغط على روابط التحميل التالية

رابط تحميل اضغط علي هنا (PDF) هنا   

 من فضلك شارك التدوينة مع أصدقائك لتعم الفائدة ولا تنسى أن حب المعرفة هبة تنموا بالمشاركة وزكاة العلم في نشره .

متمنياتنا بالتوفيق والنجاح للجميع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال